شكل الإله عشتار : آلهة الحرب والحب
آلهة الحرب والحب، اتحاد الجمال والقوة، تمازج النقائض يتجلى بعنفوانه في شكل الإله عشتار الذي أطلقت عليه حضارات بلاد الرافدين أسماء كثيرة. فهي إنانا لدى السومريين ولقبها عندهم “ملكة الجنة” وفي اليونان القديمة أفروديت الأخاذة وعند الرومان فينوس المعطاءة، أما عند الفينيقيين فهي عشتروت. هكذا كان الأمر مع أول آلهة للحب والحرب في التاريخ المكتوب، والتي اكتشفنا أسرارها من خلال أسطورتها التي خلدت بالقصائد والملاحم التي عثر عليها في اللوحات المسمارية في منطقة ما بين الرافدين. الأخبار التي نقشت على هذه الرُقم جعلتنا نناقش باستفاضة أهم المعلومات التي تتناول الإله عشتار بكل تقلباتها.
ما هو شكل الإله عشتار؟
في جميع اللوحات التي اكتشفت في المواقع الأثرية في منطقة بلاد ما بين النهرين ونواحيها والتي تمتد اليوم على دولة العراق الحديث وأجزاء من إيران وسوريا. صورت عشتار على شكل امرأة عارية وهي تركب على الوحوش. وهذا إن دلَّ على شيء إنَّما يشير على المعنى المزدوج لآلهة العشق والحرب الذي يجمع بشكل لا لَبس فيه بين الجنس الإباحي وسفك الدماء. آلهة الخصب والحرب تتجسد بصورة سيدة حرَّة متحررة من القيود نزقة الطبع، فيما تشير إلى فينوس نجم الزهرة الذي يظهر في الصباح والمساء.
ما أنت إلا موقد سرعان ما تخمد نيرانه في البرد، أنت باب لا ينفع في صد ريح عاصفة، أنت قصر يتحطم في داخله الأبطال الأقوياء، أنت قربة ماء تبلل صاحبها، أنت حذاء تقرص قدم منتعلها
جلجامش
اقرأ أيضا: الإله عشتار : الموسوعة الشاملة للأسطورة
ما معنى اسم عشتار وما هي صفاتها؟
بشكل عام تشير اللغة الأكادية أنه أطلق اسم عشتار ليشير إلى أسماء الآلهة جميعها بشكل عام، في حين قيل أن اسم عشتار اشتق من اسم الآلهة السورية “عطَّار”. أما في مدينة بابل فيعني اسم عشتار “عيش الأرض”. وفي العبرية “نجمة الصبح”.
أُطلق على عشتار عدة صفات، غلب عليها صفات الخصب سوء بالتكاثر أوفي وفرة المحاصيل الزراعية، كما عرفت عشتار في بلاد الرافدين بسيدة الحرب ومن أسلحتها المعروفة الفأس المزدوجة. في حين أن النحاتون والفنانون صوَّروا في منحوتاتهم وتماثيلهم شكل الإله عشتار على أنها شابة مملوءة الجسم ذات خصر نحيل وهذه الصورة كانت من علامات الجمال في ذاك العصر.
اقرأ أيضا: حدائق بابل المعلقة وحقيقتها
ما هو رمز عشتار؟
في العوالم القديمة، حين كانت الديانات البدائية أنثوية الطابع ترمز في مجملها إلى الخصب والنماء. وكان الطابع الغالب لرموز معظم الآلهة هو النجمة المثمَّنة. كذلك كان شكل الإله عشتار يُرمز إليه بنجمة ذات ثمانية أشعة تقف بشموخ على ظهر أسد وعلى جبينها الزهرة وفي يمينها باقة من الورود. لم يتوقف خيال الشعراء والنحاتون والفنانون عند شكل واحد، بل تنوعت تصويراتها ورموزها وتناول وصفها أدباء العصر القديم في معظم الأساطير القديمة.
الآلهة عشتار وفي بعض تصاويرها يغلب عليها نظرة الأم الأولى منجبة الحياة، في حين صورت على شكل راعية للبقر كما اتخذ شكل الإله عشتار صورة الأفعى ذات الدلالة الواضحة على الشفاء والحكمة.
الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة، فمضى بي الروح إلى برية فرأيت امرأة جالسة على وحش قرمزي له سبعة رؤوس وعشرة قرون، والمرأة كانت متسربله بأرجوان وقرمز ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ ومعها كاس من ذهب، وعلى جبهتها اسم مكتوب سر بابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض
الإنجيل، سِفر الرؤيا
أين يقع معبد عشتار؟
في بابل العظيمة هيكل أخاذ مذهل بالتصاميم والمنحوتات الأثرية. يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس قبل الميلاد، وقد خصِّص أول ما شيد ليحتضن شكل الإله عشتار البابلي الي يرمز إلى الخصب والحرب.
يمتد المعبد ليستحوذ على مساحات واسعة من قمة تل يطل بهيبته على مدينة بابل الساحرة متكئًا على الساحل الشرقي لنهر الفرات. والقريب من أطلال بوابة عشتار. يضم العبد أربعة من الأبراج الضخمة، ويتميز بجدرانه المنقوشة بأجمل التصاوير التي تمثل شكل الإله عشتار في صورها المتعددة من المرأة الفاتنة إلى الآلهة القوية التي تمتطي الوحوش. إضافة إلى الجمالية التي اتصف بها هذا المعبد على طول تاريخ أيامه الآبدة، كان المعبد يشكل حالة تلاق تجاري وثقافي لعلماء ومفكرين ومسافرين وتجار تبادلوا فيه العديد من الأفكار الثقافية والحضارية التي كانت سائدة في ذلك الزمن .
تناوب على المعبد ويلات حرب كثيرة على مدى التاريخ ودمر على الأقل لمرتين، ولكنه بقي رغم تآكل بعض ملامحه العمرانية شاهدًا على عظمة تلك الحقبة البابلية. هذا ما جعل الكثير من الزوار يعتبرونه مصدر إلهام ورهبة حين يطاؤن أرضه منبهرين بما بقي من تماثيل وقطع فنية رائعة في هذا المكان.
اقرأ أيضا: قلعة حلب تاريخها وأمجادها
هل تمّ اكتشاف معبد جديد يمثل شكل الإله عشتار؟
استأنفت رحلات البعثات التنقيبة بعد الحظر الذي فرض على البعثات العراقية منذ عام 1990 ولكن للأسف بشكل محدود جدًّا. هذا جعل البعثات الأممية المتعددة الجنسيات هي المسؤولة بشكل كبير عن هذه الحملات.
في أوائل الألفية الثانية في القرن الحالي، تمَّ الإعلان من قبل هيئة الآثار والتراث العقارية أنه تم اكتشاف معبدا للآلهة عشتار في محافظة ذي قار الجنوبية. في حين أكد “دوني جورج” عالم الآثار العراقي ومدير عام المتاحف العراقية في ذاك الوقت، أنَّ المعبد الذي عثر عليه في موقع “بزيخ” الواقع غربي قضاء الرفاعي في محافظة ذي قار يحتوي العديد من الرقم واللوحات المسمارية التي من شأنها أن تكشف معلومات وحقائق عن تلك الحقبة الزمنية في حضارة بابل.
كانت هذه لمحة قصيرة تناولنا فيها البعض من الأسرار التي وصلت إلينا مجتزأة عن الإله عشتار سيدة الأنوثة في العصور السالفة لبلاد المشرق القديم، وتبقى التماثيل والرُقم التي عثر عليها في بلاد ما بين الرافدين تحمل معنى عظيمًا لشكل الإله عشتار التي كانت ترمز لديهم إلى الخصب والنماء في أبهى تجلياته والحرب والدماء في تناقض عجيب، صوّرته لنا الأساطير والأشعار التي وصلتنا من تلك الحقبة التاريخية المهمة في القرون الآبدة.