نسعى لنترك أثراً ملهماً حول العالم

عشتار في التاريخ | أسرار عن آلهة الخصب والأنوثة

0 289

من هي عشتار في التاريخ؟ ماذا تعرف عن آلهة بلاد الشرق القديم الأولى، آلهة الخصب والنماء والأنوثة، ربّة الحياة وربة الحرب، العاشقة في الليل والمقاتلة الشرسة في النهار، ملكة السماء وسيدة الأسرار. ترى هل بعد جميع هذه الألقاب التي وصفت بها هذه الآلهة الأكادية ووريثة إنانا السومرية عرفت من تكون الإله عشتار؟ ما هي أبرز سماتها التي عرفت بها عبر التاريخ المكتوب وما هو دورها في أساطير بلاد ما بين النهرين وما هو نوع العلاقة التي تجمعها بإنانا السومرية. جميع هذه الأسرار والحقائق سنناقشها معا في مقالنا اليوم من ملهمون.

من هي عشتار في التاريخ؟

عشتار في التاريخ

عبر التاريخ كان لعشتار أهمية كبيرة في الحضارات المبكرة في منطقة الشرق الأدنى ( بلاد الرافدين ونواحيها) وخاصة في القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد. في حين غلب عليها صفة الإله المعقّد بأدوار متعددة، كما ظهرت في العديد من الأساطير القديمة وأهمها جلجامش البابلية.

من أين اكتسبت عشتار أهميتها التاريخية؟

اكتسبت عشتار أهميتها، من كونها هي الآلهة الأولى التي ظهرت في الرقم المكتوبة، فقد وجد ذكرها في اللوحات المسمارية التي وجدت في بلاد ما بين النهرين وقد أطلق عليها آنذاك اسم “إنانا”. يعود تاريخ ظهور اسم عشتار إلى فترة أوروك المتأخرة لحضارة “سومر” في جنوب بلاد ما بين النهرين وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو القرن الذي عدّ فجر التاريخ بالنسبة للقرون اللاحقة.

يذكر لطفي الخوري، أن عشتار في التاريخ واستنادًا إلى عدة نصوص هي ابنة “أنو” وفي نصوص أخرى هي ابنة “سن”. وحسب الخوري فإن عشتار كانت هي الأكثر شهرة في المجمَّع الإلهي خلال العصر الآشوري والبابلي والأكادي، فيما درج اعتبارها التشخيص الإلهي لنجمة الزهرة.

أنا الأول وأنا الآخر، أنا البغي وأنا القديسة، أنا الأم وأنا الابنة، أنا العاقر وكثر هم أبنائي، أنا في عرس كبير ولم أتخذ بعلاً، أنا القابلة ولم أنجب أحدًا، وأنا سلوى أتعاب حملي، أنا العروس وأنا العريس، وزوجي من أنجبني، أنا أم أبي وأخت زوجي، وهو نسلي

عشتار تتحدث عن نفسها، كتاب جيمس م. روبنسون

لغز عشتار في التاريخ

في كتابه لغز “عشتار” للكاتب والباحث السوري فراس سواح يذكر، أن هذه الآلهة كانت مثيرة للجدل عبر الأزمنة فيما يكمن لغز اسمها الذي أطلقه عليها البابليون عشتار أي “عيش الأرض” كونها: “ربة الحياة وخصب الطبيعة، الهلاك والدمار، المتيّمة والمحاربة، ربة الجنس والعذراء الأبدية، البتول والبغيِّ، تلتقي عندها المتناقضات وتتصالح المتنافرات”. في هذه الكلمات يكمن اللغز فهي سيدة الأسرار.

فراس سواح وفي كتابه الآنف الذُّكر يحاول أن يوجد صيغة موحدة لفهم تطور الآلهة الأم عشتار في التاريخ فيقول: ” إن التجمع البشري الأول لم يقوده الأب الصيَّاد المقاتل، بل تبلور متجها إلى الأم الرؤوم المحبة والخصبة والراعية للأبناء من حولها، وذلك لتشكيل أول وحدة إنسانية هي خلية المجتمع الأمومي الأول”.

أمَّا عن لغز عشتار ولقبها بملكة السماء وابنة القمر وارتباطها بهما، فيقول السواح: ” الإنسان القديم وجد رابطًا بين الأرض (الأم الكبرى) والقمر، فقد وجد الإنسان القديم أنهما ينحدران من المبدأ ذاته والحقيقة نفسها وهذا يدل على لغز خفي يربطهما ببعضهما”. في حين أرجع السواح عشق الإنسان الأول للقمر دونًا عن الشمس كونه يملك الطبيعة المزاجية المتمردة وهذا ما لم يلاحظه في الشمس. هذا الأمر جعله يربط لغز عشتار في التاريخ بعلاقتها بمزاجية القمر وتبدل أحواله وأطوار تكوُّنه، كذلك كان برمز البقرة السماوية وقرناها اللذان يشبهان هلال القمر.

مما سبق نلاحظ أن الإنسان الأول شبّه المرأة بالقمر وخصوصًا في اشتراكهما بالأطوار المتغيرة، وهذا بالضبط ما يحصل مع الأنثى عبر دورة حياتها. أما الشمس فهي الذكر واضع القوانين وعبدها.

الاعتقاد بأنوثة القمر وتمثيله للأمِّ الكبرى قد ساد الحضارات القديمة، وبقيت آثارُه في الأقوام البدائية في عالمنا الحديث. فإن معظم الثقافات البدائية تنظر إلى القمر باعتباره أنثى وتعتقد بتجسيده لإلهة أنثى. الأنثى المتقلِّبة المزاج، الغامضة الأطوار، التي تستلهم في سلوكها خصائصَها الطبيعية، لا قوانين التنظيمات الاجتماعية المُحكم

فراس سواح، لغز عشتار،

اقرأ أيضا: الإله عشتار : الموسوعة الشاملة للأسطورة

ما هي العلاقة بين عشتار وإنانا؟

في الروايات المتناقلة عن أساطير عشتار في التاريخ، وجدنا أن عشتار وإنانا كانتا إلهين مختلفين. ففي حين أن الإله عشتار اشتق اسمها من اللفظ السامي السوري عطّار” وقد تركَّزت عبادتها في حضارة آشور وبابل. أمّا الآلهة إنانا فقد نشأت في الحضارة السومرية ويعني اسمها ملكة “السماء”. ولكن في عهد الملك سرجون الأكادي الذي حكم امبراطورية واسعة امتدت لتضم بلاد ما بين النهرين حتى الأناضول، فقد اتحدت هاتان الآلهتان تحت اسم عشتار وذلك في القرن الثاني والثالث الميلادي، وحينها حصلت على ألقاب كثيرة منها نجمة الصبح والمساء.

اقرأ أيضا: شكل الإله عشتار : آلهة الحرب والحب

ما هو الدور الذي لعبته عشتار في أساطير بلاد ما بين النهرين؟

عشتار في التاريخ

يبدو أن دور عشتار في التاريخ الحضاري لبلاد ما بين النهرين كان من أكثر أدوار الآلهة القديمة تعقيدًا، وذلك لتعدد الحضارات التي حكمتها (الآشورية، الأكادية، البابلية). ففي فجر التاريخ كانت عشتار هي الآلهة المسؤولة عن حراسة مخازن التمر والحبوب واللحوم. في حين ولأن أباها كان إله السماء (آن) فقد كانت الحاكمة بأمر العواصف والأمطار، وهذا ما جعلها تتجلى كآلهة للخصوبة بعد حين من الزمن.

حسب الدراسات الأكاديمية لدور عشتار في التاريخ، يرى الكثير من الباحثين أن عبادة عشتار انطوت على الكثير ممّا يطلق عليه الدعارة المقدسة والتي استمرت طقوسها لفترات طويلة وما تزال بعض من آثار هذه العبادة إلى يومنا هذا في بعض الحضارات المنغلقة. وهذا ما نراه متمثلا بوضوح في شكلها السومري (إنانا).

بالإضافة لرمز عشتار إلى الخصوبة وارتباطها بالنماء والوفرة، كذلك كانت تتحكم بالعشق بكل أشكاله. وفي الوقت نفسه كانت تتأرجح بين طوري المراة العاشقة المتيمة وبين المنتقمة الشرسة. وهذا بالتحديد ما يفسر كونها آلهة الحرب والعدالة.

على الرغم من الدور المعقد الذي قامت به عشتار في التاريخ إلاَّ أنه تضاءل مع الوقت، في حين أن هذا المزيج الذي شكلته بين العاطفة والقوة، الجمال والقساوة، الدمار والخصب. جعلها تمثل نقطة بداية لبروز آلهة أخرى، مثل أفروديت آلهة الحب اليونانية، وعشتروت إلهة الحرب والعاطفة الجنسية المتقدة الهلنستية، وصولًا إلى إلهة الحب فينوس الرومانية. هذا النموذج الأنثوي الذي دمج القوة والجمال الحب مع قوة المحارب جعلت من عشتار رمزًا للأنوثة بكل ثورتها وعنفوانها حتى اليوم.

اترك رداً

لن يتم عرض بريدك الالكتروني.

تم إضافة تعليقك بنجاح

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء ملفات الكوكيز في أي وقت إذا كنت ترغب في ذلك. موافققراءة المزيد