قيس بن ذريح : الغزل العذري في الأدب العربي
قيس بن ذريح مجنونٌ من مجانين العشق، كانت معاناته بالعشق من أبرز ما عرف به بالشعر، في حين يصنف على أنه شاعر عذري من أشهر الشعراء في نظم القصيدة العفيفة. مجنون لبنى الكناني الليثي الشاعر العاشق من المتيمين بالحب والذائقين للوعته. في هذا المقال من ملهمون سنتناول قصة الحب التي عاشها هذا الشاعر العذري الليثي الكناني قيس بن ذريح و أبرز الخصائص التي اتسم بها شعره في لبنى حبيبته وزوجته المفجوع بطلاقها.
من هو قيس بن ذريح؟
ولد بن ذريح سنة 625 م ومات قيس سنة 680 م، ويعود نسب قيس بن ذريح الليثي الكناني الذي اشتهر بلقب مجنون لُبنى بين العرب وذلك لهيامه بها ونظمه الشعر فيها.عن الكلبي والقحذمي وغيرهما، أنه يمكن تتبع سلالة قيس بن ذريح كالتالي: هو قيس بن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو علي بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وذكر أبو شراعة القيسيّ أنّه بن الحباب بن سنّة؛ و سائر النسب متّفق. واحتجّ بقول قيس: فإن يكُ تهيتمي بلُبنى غوايةً فقد يا ذريح بن الحباب غويتُ.
يقال أن قيس بن ذريح يكون أخ الحسين بن علي عليه السلام من الرضاعة وهو من أشعر المتيمين في الحجاز بالغزل العذري من العشاق الشعراء الذين عرفوا في العصرِ الأموي . اشتهر بن ذريح بحب لبنى وهام بها عشقا فتزوجها وما لبث أن طلقها في قصة عشق دونها التاريخ الشعري للعرب في شبه الجزيرة العربية.
من هي حبيبة قيس بن ذريح وما قصة حبه لها؟
هي لبنى بنت الحباب من بني كعب الخزاعية، التقاها قيس بعد أن طلب شربة ماء منها في مضارب أبوها ليهيم بعد ذلك بحبها، وبعد رفض والدها تزويجه إياها يتوسط الحسين بن علي في خطبتها لتصبح زوجته وقرة عينه.
طلاقه من لبنى
تزوج قيس بن ذريح من لبنى وأقامت معه مدّة كعاشقين متيمين، لكن الهناءة لا تدوم، فقد كانت والدة قيس ترى في نفسها الكثير من الغيرة من لبنى فأقامت تحرض على تزويجه مرة أخرى من إحدى بنات عمه لينجب لها وريثا لمال أبيه ونسبه. لكن العاشق الولهان كان كارها للنساء من بعد لبنى فأقام على رأيه ولم يوافق أباه وأمه في هذا.
إصرار ذريح على تزويج قيس بغير لُبنى كان له الأثر الكبير على الشاعر المتيم بالحب فرضخ لأبيه وطلق زوجته ومعشوقته بنت الحباب و قيل أنّ قيساً قال: (هجرني أبواي في لُبنى عشر سنين أستأذن عليهما فيردّاني حتى طلقتها) ولشدّة ما لقى قيس من فراق لُبنى لحق به شيئاً من الجنون وذهب عقله، وعندما انقضت عدّتها أراد أبوها الرحيل، فدخل على قومها وسألهم عن الحال، فقالوا له: هذه لُبنى ترتحل الليلة أو غداً. فسقط مغمى عليه لا يعقل ثم أفاق وهو يقول:
و إنّي لمُفنٍ دمع عينيّ بالبكا حِذارَ الذي قد كان أو هو كائنُ
قالوا غداً أو بعد ذاك بليلةٍ فراق حبيبٍ لم يبن و هو بائنُ
و ما كنت أخشى أن تكون منيّتي بكفّيك إلّا أنّ ما حان حائنُ
اقرأ أيضا: الأدب العربي وتصنيفاته
حال قيس بن ذريح بعد فراق لبنى
عانى قيس من فراقه لُبنى فجعل يتحسّر عليها ويعاتب نفسه في طاعته أباه، ويأنّبها بشتى ألوان العذاب، فكلمّا قرّع نفسه وأنّبها بلونٍ من التقريع والتأنيب وبكى أحرّ بكاء وألصق خدّه بالأرض ووضعه على آثارها ثم قال:
ويلي و عولي و مالي حين تُفلتني من بعد ما أحرزت كفي بها الظّفرا
قد قال قلبي لطرفي و هو يعذله هذا جزاؤك منّي فأكدم الحجرا
قد كنت أنهاك عنها لو تطاوعني فاصبر فما لك فيها أجر من صبرا
ومما اشتهر من القصص أنّ أمّه حاولت أن تنسيه لبنى بعد طلاقها ممّا دفعها إلى استخدام الحيلة معه حيث بعثت أمّ قيس بن ذريح بفتيات من قومه إليه يعبن إليه لُبنى و يعبنه بجزعه وبكائه، فأتينه فاجتمعن حواليه يمازحنه. فلمّا أطلن أقبل عليهن وقال:
يقرّ بعيني قربها و يزيدني بها كلفاً من كان عندي يعيبها
و كم قائل قد قال تُب فعصيته وتلك لعمري توبةً لا أتوبها
اقرأ أيضا: الشعر الملحمي
زواج قيس بن ذريح بغير لبنى
اشتد الهيام على قيس بعد طلاق حبيبته فطلب أبوه منه أن يمرّ في أحياء العرب فلعلّ عينه تقع على امرأة تعجبه فينسى، وأخذ عليه العهود أن يفعل، فسار قيس حتى نزل بحيّ من فزارة، فرأى امرأة حسناء كالبدر ليلة تمامه، فقال لها: ما اسمك يا جارية؟ قالت: لٌبنى. فلمّا سمع بن ذريح الإسم سقط مغمى عليه، فصبّت على وجهه الماء، ثم قالت: إن لم يكن هذا قيس بن ذريح إنّه لمجنون! فأفاق فسألته عن نسبه فأخبرها.
فقدّمت إليه طعاماً، فظلّ قيس يقيم عندهم وقد عرض عليه أخو لُبنى المصاهرة فتردد ليوافق بعد الإلحاح. لكن هذا لم يكن له وزنا في قلب قيس فنأى عنها. بعد حين طلب قيس الذهاب إلى قومه، ليسمع خبر زواج لُبنى من صديق أنصاري له، بعد أن وصلها خبر زواجه من أخرى.
وقد كان أبوها شكا قيساً إلى معاوية وأعلمه تعرّضه لها بعد الطلاق. فكتب إلى مروان بن الحكم يهدر دمه إن تعرض لها، و أمر أباها أن يزوجها رجلاً يعرف بخالد بن حلّزة من بني عبد الله بن غطفان، فزوّجها أبوها منه. فحزن بن ذريح حزناً شديداً و جعل ينشج و يبكي بكاء شديداً.
لقاء قيس بزوج لبنى
لا بد أن يكون للصدفة دور آخر في حياة العاشق بن ذريح، وكان هذا عندما تشاء الصدفة أن يبيع ناقة له لرجل يكون هو زوج لُبنى حبيبته، ويختار له القدر أن يسوقه لدارها لقبض الثمن فلّما سمعت لبنى صوته عرفته وتكتمت، فقال زوجها للخادم: قولي له: ادخل فدخل فجلس.
ومما يروى أن لُبنى كلفت خادمتها أن تسأله: مالي أراك أشعث أغبر؟ فما كان منه إلاّ أن تنفّس ثم قال لها: هكذا تكون حال من فارق الأحبّة و اختار الموت على الحياة، و بكى. فقالت لها لُبنى: قولي له حدّثنا حديثك. فلمّا بدأ يتحدّث عن نصابه كشفت الحجاب وقالت: حسبك! إنّا عرفنا حديثك! و كشفت الحجاب. فظلّ ساعة لا يتكلّم ثم انفجر قيس باكياً وقام فخرج.
قيل فيما عرف عن أثر الرواية المشهورة لـ قيس بن ذريح، أن زوجها لبنى حين عرف قيس وما كان منه أراد سؤال لُبنى وتخييرها بينهما وكان يظن أنها كارهة لـ قيس وهذا ما لا يفعله العشاق فاختارت بن ذريح فطلقها من ساعته.
يقول الرواة أن العاشقين أقاما بعد الطلاق وحتى الممات، فيما يذهب البعض أنها ماتت وهي في أيام العدة، فحين بلغ قيس خبر وفاتها وقف على قبرها فأنشد:
مات لبينى فموتها موتي هل ينفعن حسرة على الفوت
إني سأبكي بكاء مكتئب قضى حياة وجداً على ميت
بعد موت لُبنى أغلب الظن أن قيس بن ذريح الكناني الليثي مات بعدها بثلاث سنين وعلى الأرجح كان ذاك سنة 61 هـ. لتنتهي بذاك قصة عشق عذري تناقلتها الألسن في الحجاز حتى وصلت إلى يومنا هذا. ولطالما كان سكان الحجاز من المتيمين بالعشق ومنه استلهم شعراء الغزل العذري أجمل قصائدهم في المحبوبة.
[…] اقرأ أيضا: معاناة العشق عند… […]