الجامع الأموي الكبير بدمشق | عبق من الماضي يمتد إلى الأبد
زخرت سوريا عبر التاريخ بالمواقع الأثرية والتاريخية التي كان لها تأثير كبير واسم يتغنى به، لنجده قد امتد إلى يومنا هذا. ومن أبرز المعالم التاريخية والثقافية والدينية التي تشهر بها سوريا الجامع الأموي الكبير في دمشق، الذي لا يأتي أحد إلى سوريا إلا ويقوم بزيارته، لكن ما السر الذي يجعله جذابًا إلى هذا الحد؟ أهي الراحة التي يشعر بها الفرد عند دخوله؟ أم القدم الذي جعله معلمًا مهمًا؟ في مقالنا القادم سنتعرف على جميع هذه التفاصيل.
نبذة عن الجامع الأموي الكبير
تم البدء ببناء الجامع الأموي في سنة 705م بأمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. حيث أنه استجلب عمالاً وصنّاعاً من بلاد فارس والهند. وقد قام الإمبراطور البيزنطي آنذاك بإرسال ما يقارب 100 فنان إغريقي ليشاركوا في تزيين الجامع. كما أن الجامع الأموي الكبير نال ما ناله من الوصف والمدح. وعلى وجه الخصوص من قبل المؤرخين والرحالة بالإضافة إلى الأدباء الذين قاموا بالمرور من دمشق على مر العصور. حيث قاموا بالتأطير على الزينة في سقف المسجد والجدران الفسيفسائية التي تتمتع بألوان زاهية مختلفة. بالإضافة إلى ما تم استعماله من رخام في البناء.
تاريخ الجامع الأموي الكبير
العصر الأموي
في العام الميلادي 634 حاصر خالد بن الوليد بجيشه مدينة دمشق. وضمها عن طريق الصلح لأراضي الدولة الإسلامية. وبعد عدة عقود استلمت العائلة الأموية سدة الحكم وجعلوا من دمشق عاصمة إدارية للدولة الإسلامية.
إن الخليفة السادس الوليد بن عبد الملك أمر عدداً كبيراً من الصنّاع والبنّائين والمهندسين ببناء الجامع الأموي الكبير، وذلك في العام الميلادي 706، وذلك مكان الكاتدرائية البيزنطية.
في ذلك الوقت كان المسيحيون المحليون ما زالوا يستخدمون الكاتدرائية. فتم بناء غرفة الصلاة في القسم الجنوبي الشرقي من مبنى الكاتدرائية. حيث أن الوليد قد أشرف بشكل شخصي على مشروع البناء.
حيث أعطى أوامر بهدم جزء كبير من الكاتدرائية ومن ضمنها المصلى. ليقوم بتغيير مخطط البناء. ليتمثل مشروعه ببناء الجامع يقوم أبناء دمشق المسلمين بالصلاة فيه. وليكون أيضاً من أبرز المعالم التاريخية والدينية في مدينة دمشق والدولة الإسلامية ككل. لكن قام المسيحيون بالاحتجاج على هذا الأمر. فقام الوليد بإرجاع الكنائس كلها التي تمت مصادرتها إليهم ليكون هذا الأمر بمثابة تعويض. وقد تم الانتهاء من بناء الجامع الأموي الكبير بدمشق في العام الميلادي 715، لكن الخليفة الوليد لم يشهد اكتمال بنائه لأنه تُوفى قبل ذلك، ليكون خليفته سليمان بن عبد الملك بالحكم.
عصر الأيوبيين والسلاجقة
لقد تمت استعادة دمشق من قبل السلاجقة الأتراك من حكم الفاطميين، وهنا باتت عاصمة الدولة الأموية تتبع بشكل اسمي للدولة العباسية، وذلك في عام 1078، فبعد الحريق الذي نشب في المسجد عام 1069م، قام الملك تتش بن ألب أرسلان بإصلاح ما تضرر من الجامع نتيجة الحريق، فقام بإعادة بناء وتشييد قبة الجامع المركزية بشكل أبهى وبمزيد من الإثارة والجمال، وقد رمم رصيفين فجدد الفسيفساء الأموية لواجهة الجامع الداخلية من الجهة الشمالية، كما أعاد تشييد الرواق في سنة 1089م، وفي عام 1110م أصلح ظاهر الدين طغتكين الحائط الشمالي وقد أمر بتخصيص نقشين جميلين تم وضعهما في أعلى المدخل.
وقد بات الجامع الأموي الكبير أبرز المعالم الدينية والتاريخية في القرن الثاني عشر نقطة تجمع للقيام بدعوة المسلمين ليدافعوا عن مدينة دمشق واسترجاع القدس إلى أحضان الدولة الإسلامية.
أما في عهد الدولة الأيوبية لقد أُنشئ عدد كبير من المؤسسات الدينية، مع إبقاء الجامع الأموي الكبير في موقعه بمثابة مركز المدينة المنطقة الدينية، بوصفه أبرز المعالم الدينية والتاريخية على مدى العصور، وقد وصف ابن جبير الرحالة الأندلسي بأنه مركز واسع وشامل لعلوم الدين، حيث أنه يحوي عدداً كبيراً من الزوايا تعرض ضمنها دراسات قرآنية ودينية، كما أن أحد جدران الجامع الأموي الكبير لحريق وقد قام السلطان صلاح الدين الأيوبي بإصلاحه وبنائه بالإضافة إلى مئذنة العروس حيث قد تم تدميرها بسبب الحريق الذي نشب عام 1069م، كما نتيجة النزاعات الأيوبية تدمرت دمشق بشكل كبير وفي عام 1245م دمر الصالح أيوب المئذنة الشرقية التي تعرف بمئذنة عيسى، وتمت إعادة بنائها وإضافة بعض الزخارف الجميلة.
العهد العثماني
في القرن السادس عشر الميلادي قام العثمانيون بالسيطرة على مدينة دمشق على يد سليم الأول، حيث قاموا بالانتصار على المماليك فيها بعد معركة مرج دابق، وقام السلطان سليم الأول بأداء صلاة يوم الجمعة في الجامع الأموي الكبير بدمشق والذي يعتبر من أبرز المعالم الدينية والتاريخية آنذاك.
كما قام سلاطين العثمانيين باستحداث نظام الوقف للمناطق الدينية، وذلك بهدف ربط السكان بالسلطة المركزية، حيث بات وقف الجامع الأموي الكبير الوقف الأكبر في دمشق، حيث وظّف أكثر من 500 شخص، حيث تسلمت الوظائف الإدارية والإشرافية لمسؤولين عثمانيين بينما كانت مكاتب دينية لعلماء الدين المحليين.
العصر الحديث
لقد كان أهل دمشق يقومون بالاجتماع ضمن الجامع الأموي الكبير أبرز المعالم الدينية والتاريخية في كل يوم جمعة من كل أسبوع لإقامة مظاهرات تندد بالسلطة الفرنسية، وبالرغم من كل ذلك لم يقم الجيش الفرنسي باقتحام الجامع بسبب معرفتهم بقيمته ومكانته عند أهالي دمشق بشكل خاص وأهالي الشام بشكل عام.
حيث تم ترميم الجامع الأموي الكبير عدة مرات في ظل الانتداب الفرنسي إلى أن غدا عليه في عام 1963م تحت ظلال الجمهورية السورية الأولى.
وبين مدة تتراوح بين ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، قام الرئيس حافظ الأسد بتجديد شامل وواسع للجامع بشكل عام، حيث تم ترميم مئذنة قيتابي بالإضافة إلى واجهة الجامع الغربية، والحائط الشمالي الذي يطل على ضريح صلاح الدين الأيوبي، وقد تمت إعادة رصف مدخل الجامع الغربي بالإضافة إلى العديد من الترميمات التي جعلت من الجامع الأموي الكبير على ما هو عليه الآن، ليكون من أبرز المعالم الدينية والتاريخية على مر العصور والأزمان.
قبب الجامع الأموي الكبير
قبة الخزنة، وقبة الوضوء، وقبة الساعة، قبة النسر،
محاريب الجامع الأموي الكبير
محراب الصحابة الكبير، ومحراب الخطيب، محراب الحنفية، محراب الحنابلة.
مآذن ومشاهد الجامع الأموي الكبير
مئذنة العروس، مئذنة عيسى، مئذنة قايتباي.
في حين المشاهد هي مشهد أبي بكر الصديق، مشهد عمر، مشهد عثمان.
أبواب الجامع الأموي الكبير
باب جيرون، باب العمارة /الكلاسة/، باب بريد، باب المسكية، باب الزيادة.
أبرز الخطباء في الجامع الأموي الكبير
الشيخ عبد القادر الخطيب، والشيخ احمد مهاذ الخطيب، الشيخ والعالم محمد سعيد رمضان البوطي وقد جاء بعده ابنه.
لقد كان المسجد الأموي الكبير حقاً من أبرز المعالم الدينية والتاريخية على مر العصور والأزمان، فقد كان عتياً مثله مثل أهل الأرض، متمسكاً بجذورها، ومدافعاً عن وجودها، ومزيناً حياتها إلى أبد الدهر.