متحف طرطوس | تاريخ من الحضارة ومنارة للمستقبل
يشتهر متحف طرطوس في سوريا، حاله كحال حصون الصليبيين وقلاعهم التي صنفت من أبرز الآثار التي بقيت من يوم وجودهم في أرض ما إلى يومنا هذا، وما بعد الحصون والقلاع تأتي الكنائس في المرتبة الثانية، والتي تم الاعتماد على الطراز الروماني والطراز الغوطي في بنائها، كما أن البيزنطيين قاموا باتخاذ زخارف بيزنطية وسورية لتزينها وزخرفتها، وأغلب هذه الكنائس قد تم تحويلها إلى مساجد وجوامع بعد عهد البيزنطيين. لكن كيف ومتى؟ يبقى هذا السؤال الذي سنجيب عليه في مقالنا.
متحف طرطوس
من أبرز تلك الكنائس كاتدرائية السيدة في محافظة طرطوس السورية. حيث أنها كانت تعتبر من من أكثر الكنائس جمالاً وكمالاً وسلامةً. قد تم الشروع في تشييدها في سنة 1130 كما تم اعتبارها أحد مناسك الحج. وهي تحوي بين جدرانها القديمة صورة يقال أنها من رسم القديس لوقا. تحوي في أحد أركانها مذبحاً قام القديس بطرس بذبح الذبيحة الإلهية الخاصة به بالإضافة إلى قداسه الاحتفالي الأول.
وقد قام القديس بطرس بتكريسها تحت اسم السيدة العذراء. كما أنه قام بتأدية أولى الصلوات فيها حين كان مسافراً إلى أنطاكيا من القدس. ونالت هذه الكنيسة تقديراً كبيراً، فتم إطلاق عليها اسم “كنيسة الحجاج وسيدة طرطوس”.
الكنيسة الصغيرة
لقد تم بناء مدينة أنترادوس والتي تسمى في وقتنا الحالي (طرطوس) على الشط المقابل لجزيرة أرادوس وتسمى حالياً (أرواد). وذلك بتعاون كبير بين الإغريقيين والفينيقيين في أرادوس. حيث أسس القديس بطرس كنيسة صغيرة في أنترادوس كرامة وتكريماً للسيدة مريم العذراء. وذلك في إحدى الرحلات إلى فينيقيا. وبعد ذلك تم تشييد الكاتدرائية في هذا الموقع لتكون بمثابة حج للبيزنطيين. وتم بناؤها وفق الطراز الرومانسكي. ثم تم تعديلها لتكون وفق الطراز الغوطي وذلك في القرن الثاني عشر. حيث أن تلك الكنيسة كانت تأخذ شكل قلعة أكثر من كونها أن تكون كنيسة. وقد كان هيكلها محاطاً بعدة أبراج قد نجا اثنان فقط على مر العصور والأزمان.
وقد تم بناء الكنيسة الصغيرة على بقايا وأنقاض إحدى الكنائس البيزنطية القديمة. كما تم بناؤها على بقايا الكنيسة المريمية الأولى التي تم تكريسها للسيدة العذراء، لكن في سنة 387 تعرضت مدينة أنترادوس (طرطوس) لزلزال أدى إلى تدميرها بالكامل، حيث أن الكنيسة تدمرت بالكامل ولم يُمس المذبح بأذىً فتم اعتبار بقائه من الحوادث العجيبة التي أدت لجعل الكنيسة منسكاً من المناسك للحجاج وتم قصدها للشفاء وللتبارك، فتم تسميتها حينها بكنيسة الحجاج وسيدة طرطوس.
الكاتدرائية المريمية في طرطوس
توسطت الكاتدرائية المدينة، وتم اعتبارها من الأبنية ذات الأهمية الكبيرة التي بقيت من الحصن الخارجي للمدينة الأسقفية القديمة، وقد وقعت المنطقة تحت حكم الفرسان ما يقارب القرنين وذلك من سنة 1152 إلى منتصف القرن الثالث عشر، فكانوا يطلقون اسم طرطوس للمدينة آنذاك، حيث كانت هذه المدينة آخر ما امتلكوه في الشرق الأوسط الذي كان يدعى بالشرق الأدنى، واحتفظ الصليبيون بهذه الكنيسة إلى أن قام صلاح الدين الأيوبي بالاستيلاء على مدينة طرطوس في 1188.
وفي عهد العثمانيين لقد تم استخدامها كثكنة عسكرية إلى أن تم تتبيعها لأملاك مديرية المتاحف السورية في سنة 1922، كما تم اعتبار مبنى الكاتدرائية متحفاً وطنياً لكل من اللاذقية وطرطوس، وذلك نظراً لأهمية الكاتدرائية التاريخية، وقد تم ذلك في سنة 1956، وتم اعتبار هذا المبنى متحفاً يقوم بضم عدد لا بأس به من الآثار التي تم جمعها من عدة تلال أبرزها تل كزل (المدينة الفينيقة سيميرا)، وتل سوكاس (عصر برونزي متأخر)، وسمريان، وقد تم تخصيص جناح بارز خاص بالمصنوعات المحلية.
وصف معماري لمتحف طرطوس
الواجهة تحمل في طياتها الطراز الرومانسكي، حيث أنها تحوي نوافذ طولية قد تمت تغطيتها بزينات معدنية ويصل عددها إلى خمس فتحات، ويجاورها عدد من الأعمدة التي تتوج بتيجان، كما يوجد في أعلى الواجهة عدة مرامٍ للسهام تأتي بشكل مستطيل، ويوجد باب كبير جداً يتوسط الواجهة مزيّن بقولبات جميلة، وتبدأ معالم الكنيسة بالتفتح والظهور عند الوصول تدريجياً إلى داخل المتحف، حيث أن هناك أقواساً رشيقة تتوزع في أنحائها، بالإضافة إلى أعمدة وسقف مقبب، والجدير بالذكر أن الكنيسة قد تم بناؤها وفق الطراز الغوطي المستنبط من الطراز الرومانسكي، حيث أن القبة تأخذ شكل بازيليك بشكل مستطيل يرتفع قرابة 17 متراً عن أرض الكنيسة.
كما أن الكنيسة مقسمة من الداخل إلى أجنحة ثلاث، حيث أنه واضح استعمال عقداً مدبباً في السقف الأوسط لجناحها، وعقد متصالب الذي ينتهي بصليب في جناحيها الجانبيين وذلك في التشكيل المعماري الخاص بها، بينما جناحها الرئيسي المرتفع فينقسم إلى معازب أربعة بشكل قناطر نصف أسطوانية، وتحد كل جناح مجموعة من الأعمدة تعلوها تيجان تتشابه بشكل بعيد مع الطراز الكورنثي، حيث من ضمن الزخارف توجد زخرفة نباتية بأشكال أوراق الشجر والزهر الناعم والورود، كما توجد زخارف على شكل رؤوس بشرية، بالإضافة إلى أن هيكلها الشمالي ينتهي بقبة على شكل نصف دائرة يوجد ضمنها طائر أبيض تعود رمزيته لحمامة الروح القدس وتشكل مع أشكال تجاورها شكلاً يشبه الصليب، وتعود دلالتها إلى الأربعة إنجيليين متّى ولوقا ومرقس ويوحنا.
معرض متحف طرطوس
حيث أن متحف طرطوس الوطني يضم معرضاً يزخر باللقى الأثرية والتحف التاريخية القديمة، والتي تم العثور عليها في المواقع الأثرية المهمة، التي امتدت على امتداد شريط المنطقة الساحلي، من الزمن القديم والعصور الإسلامية بالإضافة إلى الحضارات الرومانية والإغريقية، بالوصول إلى ما تعرضه فنون الساحل الشعبية والمحلية المعاصرة.
حيث يوجد المئات من القطع الأثرية والتي تعود بالتاريخ إلى القرن الرابع عشر والقرن الثاني عشر قبل الميلاد، بالإضافة إلى الكثير من مقتنيات قديمة من مثل التوابيت الحجرية المرصعة بالرخام التي تعود إلى العصر الروماني، إضافة إلى نقود برونزية ودمى وخوابٍ إغريقية ورومانية وأوانٍ فخارية وبرونزية وزجاجيات وتماثيل ومباخر، بالإضافة إلى بعض قطع الموزاييك، التي تمثل إله البحر وآلهة الخصب والراعي المستريح، والكثير من التحف القديمة واللقى الأثرية والتاريخية.
من هنا نجد أن تاريخ سوريا غني بالعظمة والبهاء. وعلى مر العصور ستبقى منارة للعلم والمعرفة والثقافة. وتضم في جعبتها الكثير من قصص وحكايا العزة والألق، وتكون ضوءاً ينير ليل العقول وإيصالها إلى بر المعرفة والعلم.