مؤسس علم النحو سيبويه: من هو صاحب أول كتاب نحو في العربية
من هو مؤسس علم النحو سيبويه الذي له فضل كبير في ضبط قواعد النحو في اللغة العربية؟ وما هو الشيء الذي فعله في عالمه النحويّ؟ وكيف لرجل غير عربي الأصل أن يكون إمام وصاحب كتاب في النحو العربي؟ كيف تعامل سيبويه حين تعرّض للسخرية من زملائه عندما كان طالباً، وماذا فعل حتى وصل إلى مرتبة يكون فيها من أهمّ أعلام النحو العربي؟ ماذا عن كونه رجلٌ فارسيٌ ولكنه أمهر النحاة في قواعد اللغة؟ تابع هذا المقال من ملهمون وامنح لعقلك الثقة بأنّك قادرٌ على انتشال نفسك من العدم؛ ليكون لك أثرٌ يخلّده التاريخ.
من هو مؤسس علم النحو سيبويه
سيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر، فارسي الأصل، هاجر مع والديه إلى البصرة لطلب العلم، يعود نسبه إلى بني الحارث بن كعب بن عمر بن وعلة بن خالد بن مالك بن آدد الفارسي. كما أنّه اشتهر بأبي بشر، ولقّب ( بسيبويه)، فهي كلمة فارسية تتكون من مقطعين (سيب) و يدلّ على التفاح، و(ويه) و يعني الرائحة، ليصبح معناها رائحة التفاح. يعد من أبرز علماء النحو فيما اهتم بتعلم اللغة العربية وأبدع فيها.
اشتهر سيبويه بهذا اللقب، وعُرف به أكثر ما اشتهر باسمه وكنيته الحقيقة التي لم يعرف بهما إلّا في كتب التاريخ والتراجم كما يذكر المؤرخون. أمّا عن سبب تسميته ولقبه فإنّ هناك عدة أقوال حول هذا اللقب، إذ هناك قولٌ بأنّ والدته كانت تدلل سيبويه كثيرا، ومنهم من قال لأن وجنتيه كانتا حمراوين كالتفاح، ويقال أنه كان دائم الشمّ والعشق لرائحة التفاح.
سيبويه في طلب علم النحو
هاجر إمام و مؤسس علم النحو سيبويه مع والديه عندما كان صغيراً إلى البصرة لطلب العلم، فكان مصاحباً للعلماء وأهل الحديث. فأخذ علم النحو من حماد بن سلمة. ومما يحكى نقلًا عن حمّاد، أنّ سيبويه يوماً كان يكتب شيئاً من الحديث مع تلاميذ آخرون، فقال حمّاد: فإنّي ممّا أمليته عليهم كلمة الصفا، وكان هو يكتب.
فقال لهم الحديث: “صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا”، و بعد أن كتبه سيبويه عاده عليه فقال لحمّاد: صعد النبي صلّى الله عليه وسلم الصفاء، فقال له حمّاد: يا فارسي لا تقل الصفاء لأنّ الصفا مقصور، فلمّا انتهى من مجلسه، كسر قلمه وقال: لا أكتب شيئاً حتى أتقن العربية، فلزم الخليل بن احمد ، وسائر النحويين، ثمّ بعد ذلك انصرف لتعلم العربية، فأتقنها إلى درجة أن أصبح من أكبر وأعظم علماء النحو، كما أنّه كان قد تعلّم و أخذ علم النحو على يد عيسى بن عمر النحوي، و يونس بن حبيب، والأخفش الكبير، و الخليل بن احمد ، و حمّاد بن سلمة، و أبو الأسود الدؤلي.
اقرأ أيضا: قصة النحو العربي
أساتذة سيبويه إمام النحو
لا بدّ من أن نتكلم عن الشيوخ والعلماء الذين تتلمذ سيبويه على أيديهم. حيث سنتحدث بشكل تدريجي عن أهم شيوخ سيبويه والذين تعلم منهم النحو وهم من كان لهم الفضل على عمرو بن عثمان في أن يكون مؤسس علم النحو وقواعده وأول علماء النحاة:
حماد بن سلم البصري
كان من أوائل العلماء الذين أخذ سيبويه العلم عنهم، فحماد هو من موالي قبيلة تميم، كما أنّه كان معروفا بأن لا مثيل له في البصرة في الدين و الفضل و القمع للبدع. و فوق ذلك كان حمّاد من الذين اعتبروا حجة في النحو، وكان معلماً ليونس بن حبيب. وله فضلٌ كبير في إتقان سيبويه للنحو، في حين توفي سنة 167هـ.
الأخفش الأكبر
الاخفش مولى بني ثعلبة، رجل تقي، وكذلك يعد إمام في علم النحو والعروض، فضلا على أنّه كان شيخ ليونس. لزمه سيبويه وتعلّم منه اللغة العربية. بالإضافة إلى أنه روى عنه في كتابه سبعاً وأربعين مرةً.
عيسى بن عمر البصري
نُسِبَ إلى بني ثقيف؛ لأنّه سكن عندهم، بعد ذلك حصل على علمه عند أبي إسحق، أول من قام بتحليل علم النحو كما قيل، و كذلك فسر وشرح علم القياس والعلل، عُرف باستخدامه للألفاظ الغريبة، منها التي قالها عندما سقط عن حماره واجتمع عليه الناس فقال لهم:”ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنة، انفرقعوا عنّي” أي ما لكم اجتمعتم عليّ اجتماعكم على مجنون تنحوا.
الخليل بن أحمد الفراهيدي
هو من أكبر أعلام النحو كما يعتبر إمام في علم العروض، ذكر السيرافي بحديثه عنه أنّه كان عالما في تصحيح القياس، واستخراج المسائل النحوية. وهو الأستاذ الأول لسيبويه في العلوم النحوية ، فكان هو مع ثلاثة تلاميذ يأخذون عن الخليل. كان هو الأكثر إتقانا للغة و علم النحو بينهم.
بصورة شاملة وعلى وجه الخصوص فإن هناك العديد من الأساتذة الذين تتلمذ على يديهم سيبويه علم النحو و الفقه ومنهم: أبو عبدالله بن يونس، ويعقوب بن إسحق، أبو سعيد الأنصاري، هارون النحوي، أبو عمرو بن العلاء، عبد الله بن زيد أبي إسحق بن الحارث، محمد بن أبي سارة، أبو الأسود الدؤلي.
مؤلفات سيبويه إمام النحو
بناءً على كتاب سيبويه وسعي سيبويه في طلب علم الحديث فإنّ مؤلف (الكتاب) يعتمد على الجمع لقواعد اللغة العربية ويعتبر أول كتاب منهجي في علم النحو وضبط علوم شرح أصول قواعده، فكان هو حصيلة ما جمعه وأخذه عن أساتذته من قواعد علم النحو وعلم الصرف، لكنه توفي قبل ينتهي من إخراجه ولم يختر له اسما.
تكفّل بهذه المهمّة تلميذه الاخفش سعيد بن مسعده فنشره وأطلق عليه اسم (الكتاب) فسيبويه الذي قام بجمعه كان الموت إليه أسرع من أن ينهي حصيلة أيامه ولم يضع له مقدمة وخاتمة حتى أنه لم يقم بتنقيحه، و بالرغم من هذا كله فإنّه يعتبر أفضل كتاب في النحو والصرف في الماضي و الحاضر. فقد أثنى عليه معظم النحاة، في حين أطلق عليه أبو الطيب اللغوي الاسم: قرآن النحو.
أمّا ما جاء في مضمون هذا الكتاب، فقد قسمه سيبويه إلى جزءين. جعل في الجزء الأول ما جمعه عن مباحث النحو كلها. أمّا الجزء الثاني فقد قسمه إلى عدة أبواب في كلّ باب يشرح جانب من جوانب القواعد من دون أن يتخذ لكل باب عنواناً واضحاً.
كان منهجه في هذا المؤلف واضحاً جلياً حيث وضع دراسة علم النحو في جزءين متكاملين، الأول في النحو والثاني في الصرف، بالإضافة إلى أنه كان أول من بسّط علم النحو ومباحث اللغة العربية العامّة.
سيبويه و المسألة الزنبورية و وفاته
يجب أن ننوه أنّ سيبويه مؤسس كتاب علم النحو كان في فترة الخلافة العباسية، في هذه الحقبة الزمنية وصل علم النحو إلى أوج ازدهاره وهذا ما دفع إلى تأسيس المدرسة البصرية والكوفية، فيما كان الجدال بين هاتين المدرستين لا ينتهي وكان سيبوية وأستاذه الخليل من أعلام مدرسة البصرية.
ففي زمن الخليفة هارون الرشيد ووزيره يحيى البرمكي رحل سيبويه من البصرة إلى بغداد لمناظرة شيخ الكوفيين الكسائي، بعد أن نصحه الوزير يحيى البرمكي بأن يتراجع عن هذه المناظرة إلّا أنّه أصر عليها، فواجهه في المسألة التي تعرف بالمسألة الزنبورية.
ترى ما هي قصة هذه المسألة؟ وكيف تعامل معها سيبويه المعروف باسم عمرو بن عثمان؟ يقال أنه عندما توجه سيبويه إلى بغداد اجتمع بشيخ القراء الكسائي زعيم المدرسة الكوفية ويحكى أن الكسائي وجه سؤالاً إلى سيبويه ليختبر إمام علم النحو و مؤسس قواعده ومؤلف كتاب عظيم فيه :
كيف تقول: “كنت أظنّ أنّ لسعة العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أم فإذا هو إياها.
فردّ مؤسس علم النحو سيبويه: فإذا هو هي ولا يجوز النصب.
فقال له الكسائي: لقد أخطأت، بل يجب أن تقال بالنصب فإذا هو إياها.
فطال الخلاف بينهما، فعرض عليه الكسائي بأن يلجؤوا إلى بعض الأعراب الذين ينطقون العربية سليقة، وافق سيبويه، إلّا أنّ أمرا سياسيا جعل الأعراب يؤكدون كلام الكسائي، وبعد إعلان النصر للكسائي عاد إمام النحو سيبويه مهموماً متوجهاً إلى بلده الأصلي بلاد فارس، غير راغب بالعودة إلى البصرة، و لم يلبث بحزنه وهمّه حتى اشتدّ عليه المرض فمات مؤسس علم القواعد العربية في عام 188 هـ رحمه الله.
في ختام مقالنا، الذي تناولنا فيه حياة مؤسس علم النحو سيبويه إمام النحو وشيخه وأول من من بسط علم النحو ليكون بذلك حجة على غيره من العلماء، لا بد أن ننصف هذا الرجل (عمرو بن عثمان) الملقب بسيبويه الذي وهب حياته للعلم، في حين كان هذا العلم سبباً في وفاته مهموما مظلوما. على الرغم من كونه من المؤسسين لأئمة النحو إن لم يكن على رأسهم.
[…] اقرأ أيضا: سيبويه إمام النح… […]