نسعى لنترك أثراً ملهماً حول العالم

صندوق النقد الدولي | يسند الاقتصاد المنهار ولا يفلس فمن هو

0 144

كنا قد سمعنا مؤخّرا عن الإعلان المُحزِن بإشهار إفلاس دولة لبنان، لنسمع فيما بعد عن اتفاقية مُزمَع عقدها مع صندوق النقد الدولي لمساعدة هذا البلد ومنعه من الوصول إلى حافة الانهيار الاقتصادي – هذا إن لم يكن قد وصل إليها بالفعل- ناهيك عن دول عربية وعالمية أخرى، كانت قد سبق واتفقت على طلب المساعدة من صندوق النقد لمنحها قروض بملايين الدولارات.

فمن هو صندوق النقد؟ ما هي أهدافه؟ وكيف آليّة عمله، وإن كان قادرا على ردم هوّة اقتصاد أي بلد ومساندته بالقروض فمن أين إذًا يأتي بأمواله؟ أسئلة مشروعة ستعرف جوابها في هذا المقال المفصل.

ما هو صندوق النقد الدولي؟

صندوق النقد الدولي
صندوق النقد الدولي

هو وكالة متخصصة تأسست بموجب اتفاقية من منظومة بريتون وودز التابعة لهيئة الأمم المتحدة في عام 1944، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية. تتمثل مهمة صندوق النقد، بمحاولة الحفاظ على استقرار البلدان اقتصاديّا أو منع انهيارها. مقر هذه الوكالة هو العاصمة الأمريكية واشنطن، ويضم معظم بلدان العالم.


ما هو دور وأهداف صندوق النقد

من الممكن القول، أن صندوق النقد الدولي يعمل كمؤسسة مركزية لإدارة أنظمة الدفع الدولية ومراقبة أسعار صرف العملات من أجل تسيير عمليات التجارة الدولية بين البلدان. يستهدف عمل الصندوق إدارة الأزمات المالية التي تواجه البلدان الأعضاء فيه، ومنع وقوعها من خلال إتاحة الفرصة لهم للاقتراض لسد العجز الحاصل في ميزان المدفوعات في اقتصاداتهم.

أهداف الصندوق المُعلَنة

هناك عدة أهداف أعلنت عنها الاتفاقية المُؤسِّسة لصندوق النقد الدولي، ومن أهم هذه الأهداف نذكر ما يلي:

  • التعاون مع المجتمع الدولي من أجل حلِّ الأزمات المالية العالقة.
  • التوسع في تداولات التجارة الدولية، والمساهمة الجادة في رفع مستوى دخول الأفراد والتنمية الإنتاجية للبلدان. وبالتالي المساهمة في خفض حالات التضخم.
  • اتباع استراتيجيات من شأنها المحافظة على استقرار سعر صرف العملات.
  • تعزيز التشاركية بين الدول، ومنحها القروض من أجل تمكينها من تقويم اختلال ميزانها التجاري، والحد من حالات إشهار الإفلاس التي قد تعمد لها البلدان.

آلية عمل صندوق النقد الدولي

كان لِزاما على وكالة صندوق النقد أن تلتزم بأهدافها التي أقرتها، ولتحقيق هذه الأهداف فلا بد من آلية عمل تتجلى في السياسات التالية:

  • بناء على الخبرات التي تضمها هيئة صندوق النقد، فإنها تقدم المشورة بما يخص الإستراتيجيات المالية والتطورات الاقتصادية التي تواجه البلدان الأعضاء لمنع تدهور اقتصادها.
  • مَدّ الدول التي تعاني من عجز في ميزان مدفوعاتها بالقروض المؤقتة لحل المشكلات والصعوبات الاقتصادية.
  • لا يقف عمل الصندوق عند منح الديون، بل يتعدى ذلك إلى رفد البلدان الأعضاء بالخبرات التدريبية والمساعدة الفنية لإدارة ملفاتها الاقتصادية العالقة.

من أين يحصل صندوق النقد الدولي على أمواله؟

دور صندوق النقد الدولي
من اين يحصل الصندوق الدولي على أمواله

قد يكون من البديهي معرفة أن أي صندوق تمويلي، يحصل على سيولته من الدول الأعضاء المُشكِّلة له. وهذا ينطبق على الصندوق الدولي تمامًا، حيث يُحصِّل أمواله من خلال اشتراكات دوله الأعضاء البالغ عددها 188 دولة والتي تقوم بدفعها حين انضمامها إلى العضوية.

من المتعارف عليه في اشتراكات (حصص) الدول الأعضاء أن يتم دفعها عبر نمطين، هما 25% من قيمة الحصة (ذهب الورقي) حقوق السحب الخاصة. وبنسبة 75% عن طريق عملتها الوطنية، أما عن حصص الدول فتقدّر تِبعًا لعدد أصوات البلد العضو، ومقدار التمويل أو النصيب من مخصصات البلد العضو من حقوق السحب الخاصة. هذه الحصص تمثل حجم الاقتصاد بكل ما فيه من من ناتج محلي وتداولات تجارية. وبالطبع كلما زاد حجم الاقتصاد زادت معه حصة الدولة في الصندوق والعكس صحيح. فهو مرآة عاكسة لوضع الدول الاقتصادي.

من أجل تسهيل الأمر، إليك المثال الآتي: أميركا كما تُعرَف، هي صاحبة أقوى اقتصاد دولي حتى الآن. وهي بالتالي تملك أكبر حصة في الصندوق وتبلغ 16.74% من إجمالي الحصص. على الجانب الآخر، هل تعرف جمهورية سيشل؟ إنها دولة صغيرة عبارة عن عدة جزر في المحيط الهندي وهي تملك أصغر حجم اقتصاد في العالم كُلِّه، ومقدار ما تسهم فيه كحصة في الصندوق يبلغ 0.004% فقط.

اقرأ أيضا: الفقاعات الاقتصادية عبر التاريخ | خدعتهم عبر السنين

هل من آثار سلبية للاقتراض على الدول النامية؟

أيعاني بلدك من اقتصاد متداعي؟ لا داعي للقلق، فصندوق النقد الدولي جاهز ويفتح لك ذراعيه!. لكن توقف قليلا، هذا بالتأكيد ليس مجانيا، وعليك أن تدرك أن هناك شروط لطلب الاقتراض من صندوق النقد. هذه الشروط بالتحديد تمثل فزّاعة للدول النامية، ومن أهم هذه الشروط المفروضة ما يلي:

  • تحرير أسعار الصرف، أو رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية. والتي تتنوع بين الكهرباء أو الماء والطحين. ناهيك عن التركيز على رفع الدعم عن قطاع حيوي بالنسبة للنمو الاقتصادي والإنتاجي للبلد، وهو انفلات سعر المحروقات. وكلنا ندرك ما لهذا الأمر من آثار اقتصادية وخيمة على الناتج المحلي.
  • اعتماد نموذج مالي له أثر سلبي على القطاعات الإنتاجية، هذا النموذج يتوجه نحو تحقيق ريع من الاستهلاك والضرائب، على حساب القطاعات التنموية مثل الزراعة والصناعة.
  • العمل المستمر وبشكل متتابع، على رفع الدعم الاجتماعي المعوني لأصحاب الدخول المنخفضة، وصولًا إلى إنهاء كل أشكال الحماية المجتمعية وتقليص الدعم الحكومي لقطاعات التربية والصحة، مثلا.
  • منع زيادة حقيقية على رواتب الموظفين ذوي الدخل المحدود، مع تجاهل تام لنسب التضخم.
  • في السياسات المالية، هناك ما يسمى بضرائب القيمة المضافة، وهذه بالذات يشترط صندوق النقد الدولي زيادتها بنسب كبيرة نسبيًّا. مع زيادة الضرائب بكل أشكالها.
  • تصفية مؤسسات القطاع العام.
  • الشرط الأخير والأهم، رضا أعضاء الصندوق من الدول الكبرى على السياسة الاقتصادية التي ينتهجها البلد المتعثر، وإلاّ فلا قروض ولا أموال.

تكمن خطورة الاقتراض من الصندوق الدولي للبلدان النامية، في الآثار السلبية التي يتركها بعد انتهاء القرض، فالسياسة المتبعة تفرض على الدولة المقترضة وجود مديرين تنفيذيين مهمتهم التحكم الكامل بالقرارات الاقتصادية لها. ووضع قيود من أجل إحكام السيطرة المالية وصولًا إلى اعتماد الاستدانة بدلًا من النمو، والاستراتيجيات المالية الفاشلة عوضًا عن التخطيط المالي الناجح. وبالتالي تأثير سياسي مباشر على الدول.

 الختام

دائما ما عمدت البروباغندا الدعائية إلى رفع عناوين رنانة عن أهداف صندوق النقد الدولي أو سياساته الداعمة للدول النامية. في حين، أن الحقيقة تبدو في وادِ آخر بعيد كليّا عن كل ما يقال. فمنذ نشأته كانت آلية عمله الحقيقية غير ما يشاع عنها، حتى ذهب البعض في تشبيههم له بالوحش المفترس.

نسعى لنترك أثرا ملهما
تابع ملهمون لعلك تكون ملهمًا يومًا ما
اترك رداً

لن يتم عرض بريدك الالكتروني.

تم إضافة تعليقك بنجاح

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء ملفات الكوكيز في أي وقت إذا كنت ترغب في ذلك. موافققراءة المزيد