نسعى لنترك أثراً ملهماً حول العالم

الشاعر أدونيس | ما بين عمق الفلسفة وجرأة الأدب

2 411

حين تقفز الكلمات كالأسماك في نهر، وتنبض القصيدة كالأحلام في وطن مُستباح. حين تعلن الجبال أبوّتها لشاعر عرّابه بَحْر ولقبه كآلهة اليونان معلّقة حول فم أشعاره كتميمة، ماذا تتوقع أن تكون التجربة الشعرية بكليّتها؟ إنه الشاعر أدونيس السوري المولد والعشق. صاحب الأسلوب الشعري المبتكر الذي خطَّ ملامحه على وجه القصيدة العربية فأثراها وكان ِنعم الابن لها.

تجربة شعرية رائدة، قصائد تتهادى كأسراب الحمام دون تكلُّف، فلسفة عميقة غارقة في عمق الكلمة وتلافيف الأبجديات. ساعدته لأن يكون الشاعر الفَذ والجدول الذي تلتقي عند مصبِّه كثير من منابع الشعر ومدارس الأدب، وجعلت منه رقمًا صعبًا في التحدي الذي آثر إلاَّ أن يخوض غماره مُذْ كان طفلًا معدمًا تصفعه أكفُّ الفقر، فكان ما أراد. وبعد نأي وسفر تلقفته العالمية لتضمه إلى روادها. هنا في سطور سنحاول أن نلامس غيضًا من فيض إبداعه في الشعر العربي.

من هو الشاعر أدونيس؟

الشاعر أدونيس
أدونيس

هو علي بن أحمد سعيد الملقّب بـأدونيس، شاعر وناقد أدبي عربي سوري الجنسية. استمد إلهامه الأدبي من مؤلفات ما قبل الإسلام وبالتحديد من بلدان البحر الأبيض المتوسط، وهو الذي أطلق على نفسه لقب إله الخصوبة اليوناني (Αδωνις) تيمنا بالأساطير التي لم تكن بعيدة عن بيئته القروية البسيطة التي ترعرع فيها.

يعتبر أدونيس من أهم شعراء اللغة العربية وقائد حركة التجديد في العصر الحديث. ولد Adonis لسنة 1930 في قضاء مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية، لعائلة كان لها من الفقر والعازة نصيب كبير. مما تسبب في تأخره عن دخول المدرسة، ليتولّى والده الحصة الكبرى في صقل موهبته وتعليمه الكتابة والقراءة وتحفيظه أبيات الشعر القديم.

وكما يحفر المحراث وجه الأرض نحتت شخصية الشاعر أدونيس الفكرية والثقافية. في الثالثة عشرة من عمره فتحت له الصدفة مواربةً باب الحظ، حين ألقى قصيدته الأولى أمام الرئيس الأول لجمهورية سوريا بعد استقلالها حينذاك شكري القوتلي، الذي استحسنها. وهنا بدأت أولى خطوات نجاحه، حيث قدمت له على أثر القصيدة منحة دراسية في مدينة طرطوس في المدرسة العلمانية الفرنسية، وهي آخر مدرسة فرنسية ثانوية متبقية في البلاد. بدأ أدونيس رحلته الجامحة في جامعة دمشق التي انتسب إليها عام 1950 كطالب في قسم الفلسفة.

نشر الشاعر أدونيس في العام نفسه أيضا، مجموعته الشعرية الأولى (دليلة). ليختتم رحلته الدراسية في جامعة القديس يوسف في لبنان، والتي حصل منها على شهادة دكتوراه في الأدب عام 1973 ليتقلد بعدها عدة مناصب تدريسية في أهم الجامعات. أمّا شخصيّا، فقد تزوج أدونيس من الأديبة السورية خالدة سعيد ولديه منها ابنتان، ويقيمون حاليًّا في باريس.

اعشق تجد الوجود كلّه عشقًا، واكره تجد الوجود كلَّه كرهًا، عالم بلا حب، حياة بلا معنى

اقرأ أيضا: رياض الصالح الحسين | بسيط كالماء

 رحلة أدونيس الشعرية

أطلقت دمشق جناح شاعرها في مدن العالم، فبعد خمسينيات دمشق غادر الشاعر أدونيس مدينته المحبوبة إلى بيروت. ليجد في انتظاره مجتمعا أدبيًّا نابضًا بالحياة، فانضم لصفوف كتّاب مجلة الشعر الأدبية إلى جانب الشاعر اللبناني يوسف الخال. حينذاك، كان للمجلة دورها الفعال في الحركة الشعرية الثورية.

 بداية الستينات أطلق الشاعر أدونيس ديوان الشعر العربي، فيما قدم عدة ترجمات لكتب أدبية مثل السيد بويل ومهاجر بريسبان. كما ساعد في خلق شكل جديد للشعر العربي، متأثرا بأعمال الشعراء الصوفيين، ليمتاز شعره في تلك الحقبة بنفحات السريالية المعقدة. في عام 1968 أطلق جريدة الراديكالية “مواقف”. والتي حملت بالإضافة إلى الشعر لمسات ثقافية وسياسية متنوعة خاصة بعد هزيمة الأيام الست، كما ضمَّنها قصيدته النثرية المبتكرة (مقبرة نيويورك – 1971).

اتسم شعر الشاعر أدونيس بالقومية المتحمسة والنظرة الصوفية الحالمة، كما كان الداعم الرئيس لحركة التجديد الحديث للشعر العربي. بل قطع أشواطا كبيرة في الابتعاد عن الشعر الرسمي متخلصًا من عباءة التقليد في قصائده النثرية اللاّحقة. في عام 1995 وخلال كتابه (الكتاب)، قدم أدونيس عملا أدبيّا معقدًا أعاد به استكشاف التاريخ العربي من وجهات نظر مختلفة. فكان هذا الكتاب تلخيصاً لفكر أدونيس الوجودي والفلسفي العميق، الذي ما يزال يثير انبهار القارئ ويستفز دهشته.

بعد انقطاع ما يقارب 50 عاما من هجر المحبوب، عاد الشاعر أدونيس إلى حضن عاشقته دمشق. فألقى أجمل قصائده هناك في قصر العظم سنة 2003. استمرت أعمال الشاعر الأدبية في الفيض، فأصدر في عام 2015 ديوانه (غبار المدن بؤس التاريخ). أما كتابه الأخير فكان انطباعًا لصورة الوطن في مخليته الفذة بعنوان (سوريا وسادة واحدة للسماء والأرض – 2017).

هناك شعر عربي قبل أدونيس وهناك شعر عربي بعد أدونيس

صموئيل جون هازو، مترجم وشاعر

اقرأ أيضا: أحمد خالد توفيق

 إنجازات الشاعر أدونيس وجوائزه

السيرة الأدبية للشاعر ادونيس
إنجازات وجوائز أدونيس

منذ عام 1988 وأدونيس منافس شرس في كل ترشيح لجائزة نوبل. وعلى الرغم، من أنه لم يفز فيها حتى الآن فإن إرثه بعيد المدى. وعلى حد قول لجنة جائزة PEN / Nabokov لعام 2017. “إن جرأة الشاعر أدونيس وعمق تجربته الشعرية الوجودية المبتكرة كان لها الأثر العظيم في جعل أحد أقدم اللغات في العالم نابضة بالحياة”. تمت ترجمة أعمال أدونيس بشكل واسع إلى عدة لغات عالمية، وكانت أبرز أعماله المترجمة إلى الإنجليزية. “The Pages of Day and Night”عام 1994 و Blood of Adonis” (1982 بالإضافة إلى وقت بين الرماد والورد “(2004).

ما هي أهم جوائز أدونيس؟

لا يضر إبداع شاعر كأدونيس أنه لم يفز بالنوبل حتى الآن، فقد اعترفت به كبرى مجلات الأدب العالمي وكان اسمه الحاضر الدائم في معظم الجوائز الأدبية على امتداد تاريخ حافل بالإنجاز. وإليك بعضًا من أبرز الجوائز التي نالها:

  • جائزة غوته.
  •  ليرسي بيا.
  • جائزة البحر المتوسط للأدب.
  • جان مارليو للآداب .
  •  نونيو للشعر.
  •  وجائزة PEN / Nabokov للإنجاز في الأدب الدولي (2017).

ما هي أشهر أقوال أدونيس الشاعر

لا يمكن أن نحصر فلسفة كاملة في بعض الأسطر، فالفكر الذي خطه الشاعر أدونيس لم يكن كلامًا مُقالًا وحسب. بل كل كلمة كانت جوهرة فلسفية، وكل قصيدة كانت زلزالًا شعريًّا يثير الإضطراب في القلب والعقل معًا. فهل يا ترى يمكن أن نوجز بعضًا من أشهر روائعه؟ هذا ما سنحاوله:

  • كيف يمكن للإنسان، خالق المعنى، أن يرسم مصيره في كلام واحد؟ كيف تسكب روحه في الحائط؟.
  • هناك في الأعلى، انظر إليها وهي تتدلى من حلق السماء. انظر إليها مسيجة برموش الملائكة. لا أحد يستطيع أن يمشي نحوها، لكن الرجل يستطيع أن يزحف على جبهته وكتفيه، وربما حتى سرته. حافي القدمين، اطرق على بابها. من ديوانه كونشيرتو القدس.
  • لا هويّة لشعبٍ ليس لديه إبداعات، فإذا غابت الإبداعات أصبحنا قطعانٌ بشرية.

يقول إدوارد سعيد الناقد الأدبي المعروف: “إن أدونيس هو الشاعر العربي الأكثر استفزازا وجرأة”، فهل يا ترى استطاعت الكلمات أن تلامس تجربة شاعر مثله وتوفيه حقّه؟ ربما، ولكن المؤكد أنه كان صاحب رؤية عميقة تحترم الماضي وتتطلع بشغف إلى المستقبل، وخلال شعره الجميل المتألِّم عبّر عن الهوية والذاكرة والمنفى، كما يفعلها مبدعٌ بحق، وهذا ما جعل كتاب النقد الأدبي عند العرب على كثرتهم واختلافهم يجمعون على غنى التجربة الشعرية الي خاضها أدونيس. 

في حين، أن عمل الشاعر أدونيس كناقد ومترجم جعله أن يمثل جسرًا متينًا بين الثقافات، وأن أعماله العظيمة تذكرنا إنْ نسينا أنَّ الأدب العربي في القرن الحادي والعشرين لا بدّ أن يشمل رحلة التجديد للشعر العربي المعاصر. في النهاية، نَعم إنّ الحقيقة كلّ الحقيقة لا يمكن أن توجد خارج رحم الأدب، والشعر كلّ الشعر مُمتنٌّ لأدونيس.

نسعى لنترك أثرا ملهما حول العالم
تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما.
2 تعليق
  1. […] اقرأ أيضا: الشاعر أدونيس | ما بين عمق الفلسفة وجرأة الأدب […]

  2. […] اقرأ أيضا: الشاعر أدونيس | ما بين عمق الفلسفة وجرأة الأدب […]

اترك رداً

لن يتم عرض بريدك الالكتروني.

تم إضافة تعليقك بنجاح

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء ملفات الكوكيز في أي وقت إذا كنت ترغب في ذلك. موافققراءة المزيد