برامج المقالب الساخرة | بين المتعة والسخرية أيهما الأرجح وما سبب انتشار برامج رامز جلال
من منا لا يحب الضحك ويتمنى أن يعيش لحظات الفرح مع العائلة والأصدقاء؟ من منا لم تعلو ضحكاته وهو يتابع برامج المقالب الساخرة؟. يكاد لا يفارق خيالي اجتماع العائلة في ليالي رمضان الدافئة حول المدفأة، وبعد الانتهاء من طعام الإفطار يأتي وقت متابعة التلفاز. كنا نجتمع ونتابع البرامج والمسلسلات ولعل أبرزها برامج المقالب الساخرة التي كانت منتشرة منذ ما يقارب العقدين أو الثلاثة عقود من الزمن. وكان ذلك الوقت هو أوج شهرتها في عالمنا العربي. وكان أبرز مقدمي تلك البرامج الراحل فؤاد المهندس، والراحل ابراهيم نصر، وبرامج الكاميرا الخفية في الجزائر. بالإضافة إلى ذلك كان زياد سحتوت والمرحوم جمال شقدوحة هما الأشهر في صناعة هذا النوع من البرامج.
هل ترغبون بمعرفة أشياء أكثر عن هذا النوع من البرامج. وما هي التغييرات التي طرأت عليها في وقتنا الحالي؟. هيا بنا لنبدأ معاً.
ما هو سبب انتشار برامج المقالب الساخرة
في الواقع، إن السبب الأبرز الذي كان وراء انتشار هذه البرامج هو حاجة الإنسان بالفطرة إلى الترويج عن نفسه من ضغوطات الحياة. وكانت تلك المقالب المضحكة والطريفة تتسبب بخلق ضحكة عفوية لدى المشاهد والرغبة بمتابعة المزيد. ولكن يجب أن لاننسى أنه ببساطة طرح الفكرة لها دور أيضا. الديكور كان بسيطاً وأدوات الإنتاج كذلك وحتى فكرة المقالب لم تكن تحتاج إلى تفسير وتحليل. إذاً نتسطيع القول أن البساطة وحاجة المشاهد للترفيه هي من أبرز الأسباب وراء هذا الانتشار.
ولكن يجب أن نعرف أن هذا النوع من البرامج كان منتشراً في العالم الغربي قبل انتشاره في العالم العربي. ويقال إن أول برنامج كاميرا خفية كان عبارة عن برنامج إذاعي وكان اسمه “المايكروفون الخفي”. وبعد ذلك انتشر التلفاز في أوروبا في نهاية أربعينات القرن الماضي ورافقه انتشار برامج المقالب الساخرة أو مايعرف بالكاميرا الخفية. وعلى مدى عشرات السنين تسبب بحالة من الفرح والضحك وكان كل من يحضر تلك البرامج يشعر بالسرور والبهجة.
لماذا نضحك عندما نشاهد برامج المقالب؟
في الحقيقة، في هذا النوع من البرامج يتم التخطيط لنوع من انواع المقالب prank، أو مايدعى بالنكتة العملية Practical joke. وهنا قد تتسائل هل يوجد نكتة عملية ونكتة نظرية؟ والجواب هو: نعم. فالنكتة النظرية هي تلك التي تقوم بسردها على أحد أصدقائك بطريقة أو بأخرى وتترك لمخيلة المتلقي أن يفكر كيف جرت أحداث الطرفة ثم تنتهي وتضحكان معاً.
أما النكتة العملية، فهي تلك التي يكون بطلها هو صديقك نفسه. عندما تخطط أنت وباقي الأصدقاء كيف ستقومون بعمل مقلب بصديقكم. كأن تقومو برشه بالماء مثلاً أو التسبب بانزلاقه على الأرض ثم تضحكون جميعاً. ولنتفق أن هذا النوع من المقالب غير محبب بالعموم.
في الحقيقة، إن برامج الكاميرا الخفية يتم تصويرها بواسطة كميرا مخفية عن أعين الضحية الذي سيطبق عليه المقلب ولا يعرف بوجودها. فيأتون بالضيف ويُعرّضوه لظروف غير منطقية ومستفزة ويقومون بتصوير ردّة فعله العفوية. وبالتالي فإن العفوية هي أبرز ما تقوم عليه تلك البرامج، فلو عرف الضيف أنه سيتعرض لموقف ما ويتم تصويره فإن المشهد سيكون بقمة التصنع. وسيحاول أن يظهر بقمة اللباقة والتهذيب.
إذاً، إن ردود الأفعال الغير متوقعة هي السبب وراء حالة الضحك التي تصيب المشاهد. حيث أن المشاهد وحتى القائمين على البرنامج من مقدم ومخرج ومصورين لا يعرفون كيف ستكون ردة فعل الضيف على هذا المقلب الذي تعرض له.
أما النقطة الثانية التي أشار إليها البعض هي أن المشاهد يبدأ بتحليل المقلب والموقف وماذا سيفعل لو كان محل الضيف. وأنه قادر على كشف المقلب بسهولة. وبذلك نعرف أن هذه النوعية من البرامج كانت منتشرة فيما سبق ولاقت رواجاً كبيراً ليومنا هذا، بسبب محتواها اللطيف وبساطة فكرة الطرح والتقديم.
البرامج التي يقدمها رامز جلال
في الحقيقة إن موضوع برامج الكاميرا الخفية أخذ منحى مختلف منذ مايقارب العشر سنوات. فأصبحت هذه البرامج ذات إنتاجات ضخمة جداً ويُصرف عليها مبالغ طائلة، ويتم تصوريها في أماكن فارهة. وأصبح البرنامج عبارة عن فلم أكشن قصير يستخدم فيه شتى أنواع التقنيات والمؤثرات والمتفجرات حتى. والتغيير الآخر الذي حصل هو أن الضيف في هذه البرامج هو حصراً من أحد المشاهير سواء في عالم الفن أو حتى عالم الرياضة. على غير ما كانت عليه في الماضي حيث كان الناس العاديون ضيوفاً في هذه البرامج وذلك بالإضافة إلى المشاهير أيضاً.
والموضوع بمضمونه أخذ مساراً مختلفاً، فبدلاً من تحضير المفاجآت العفوية. تحول البرنامج إلى أنواع جديدة هدفها إهانة الضيف والسخرية منه. وبالإضافة لذلك أيضاً، تعريض حياته للخطر ووضعه في مواقف مميتة والمشاهد يتابع الضيف وهو في حالة من الخوف الشديد.
وفي الواقع تعبر البرامج التي يقدمها الفنان رامز جلال منذ ما يقارب العشر سنوات هي المثال الحي أمامنا. فقدم سلسلة من برامج المقالب الساخرة منها: رامز قلب الأسد، رامز قرش البحر، رامز واكل الجو، رامز عقله طار، وآخرها رامز موفي ستار.
ما هي فكرة هذه البرامج؟
تقوم البرامج التي يقدمها رامز جلال على فكرة إحضار ضيف ومن المشاهير حصراً. مطرب مثلاً أو ممثل أو لاعب كرة قدم أياً من هؤلاء المشاهير، ويظهر الضيف وكأنه ذاهب لمقابلة تلفزيونية ويساعد المقدم أحد غيره في هذه المهمة كنوع من التمويه.
وفجأة يجد الضيف نفسه في طائرة على وشك السقوط، أو في البحر وأسماك القرش تحيط به، أو يغرق في الرمال المتحركة. ويظهر بذلك الضيف خائفاً جداً.
تبدأ الحلقة بمشهد للمقدِم رامز جلال وهو موجود في الاستوديو ويراقب الضيوف منذ قدومهم. ويأخذ بالسخرية منهم ومن أشكالهم بألفاظ غير محببة ومستفزة في أغلب الأوقات.
والمشاهدون يتابعون ردة فعل الضيف وينتهي المقلب عندما يكتشف الضيف أن رامز جلال هو وراء هذا المقلب ويضحكون سوياً ويلوحون للكاميرا المخفية.
ولكن ياترى هل تعتبر هذه البرامج ظاهرة صحية وما هي آثارها السلبية على المجتمع، هذا ما سنذكره لكم فيما يلي.
ما هو أثر هذه البرامج الساخرة على المشاهد؟
في الواقع، المشكلة في هذا النوع من البرامج أنها تترك أثراً تعليمياً غير مدرك بالعين المجردة. فيجب أن لا ننسى أن التلفاز هو أحد المنصات التعليمية ولعله أسهلها، فيتلقى منه المشاهد الكثير من الأفكار وخاصة الأطفال. فالمتابع يتابع البرنامج بكل شغف ودون ملل، بالتالي البرامج الترفيهية مصدر لتعلم القيم ويبث فيها رسائل مخفية. ومثال على هذا، هذه البرامج التي تشجع على التنمر والاستمتاع بخوف الآخرين وإذلالهم وطريقة السخرية من أشكالهم وطريقة كلامهم. كل ذلك بحجة أن هذا المحتوى يلقى تفاعلاً من قبل المشاهد (إسفاف لأجل الانتشار) وحجتهم هي أن هذه هي رغبة الجمهور.
قد تكون تلك البرامج مجرد عروض تمثيلية تتم بالاتفاق بين جميع الأطراف حتى أن المشاهد على دراية بهذا الموضوع. ولكن ذلك لايلغي أن هذه البرامج وحتى المسلسلات والأفلام التي نعرف مسبقاً أنها مجرد تمثيل. لها دور في زرع قيم وأفكار داخل عقول المتابعين سلبية كانت أم إيجابية.
ما هو السر وراء هذه المتابعة والأرقام القياسية التي يحققها هذا النوع من البرامج؟. مع العلم أنها مجرد مشاهد محضر لها مسبقاً؟.
الجواب هو أن الإنسان في العموم يتعرض في حياته للكثير من الضغوطات والمشاكل وأنواع مختلفة من القهر النفسي والجسدي. وبالتالي فإنه يستمتع عندما يشاهد أناساً يشعرون بالخوف ومعرضون لمواقف صعبة. بينما لا يستطيع هذا الإنسان التعبير عن مكنوناته ومشاعره الداخلية، فعندما يرى الآخر في مواقف مشابهة فإنه يرتاح نفسياً (ينفس عن نفسه).
في الحقيقة، كان هذا المقال لتسليط الضوء على خطورة الإنجراف وراء هذا النوع من الاستعراضات التي لا فائدة ترجى منها. على العكس فإنها تشجع وتساعد على نشر قيم لا أخلاقية وتساهم في تدمير المجتمع بشكل غير علني. نأمل أن يكون مقالنا قدم لكم المتعة والفائدة.