ما أسباب متلازمة ستوكهولم |سر بين الجلاد والضحية
عبارات قد تصيبك بالذهول خاصة حين تصدر من ضحية عنف أو إجرام، فهل يمكن حقّا ممكن أن تحب قاتلك؟ “أعلم أنه كان يؤذيني لكنني أحبه، أدرك أنه كان عنيفًا معي ولكنه عاش طفولة معذبة إنني أغفر له”. ترى هل صدق المثل القائل أن القطط تحب خُنَّاقها؟. قد لا نجد تفسيرًا منطقيًّا لتلك العاطفة التي تبرِّر للمجرم أذاه واعتداءه، ولكن ربما للعلم والمنطق رأي آخر. فذلك ما تفسره متلازمة ستوكهولم في محاولة لمعرفة أسباب نشوء هذه العاطفة؟. إذًا مالقصة التي كانت سببًا في إيجاد تحليل واقعي لما يشعر به الضحية إزاء مشاعر الخوف التي تنشأ مع الجهة المسببة للعذاب والأذى النفسي. أنت هنا لنغوص معًا في عمق التفسير المنطقي لهذه المتلازمة، علّنا نكون أكثر إدراكًا للنفس البشرية وما يعتريها من عواطف غامضة.
ما هي متلازمة ستوكهولم
تفسير متلازمة ستوكهولم وأسباب نشوئها شغلت بال العلماء، فهي لا تقع تحت أي تفسير علمي، ولكن اتفقت الدراسات أن تفسرها على أنها ردة فعل عاطفية تصيب بعض ضحايا العنف أو الإجرام فتتكون لديهم عاطفة إيجابية تجاه المعتدي. وهي بطبيعة الحال لا تفسّر على أنها حالة نفسية، بل هي محاولة لفهم الاستجابة العاطفية التي يبديها الضحايا تجاه آسريهم. فعلى مدار أشهر أو سنوات من الحجز ربما قد تنشأ علاقة ودية بين الخاطف والأسير، بالإضافة أنه من الممكن أن تُخلق مشاعر تتراوح بين التعاطف والحب والرغبة في الإحاطة بالحماية.
قصة متلازمة ستوكهولم
تعود جذور قصة مصطلح ستوكهولم Stockholm Syndrome إلى عام 1073، بعد أن سطا سارق يدعى جان أولسون على أكبر مصرف في ستوكهولم عاصمة السويد يدعى Kreditbanken. فيما احتجز مجموعة من الموظفين مطالبًا بفدية بلغت 700 ألف دولار. بالإضافة، لمطالبات أخرى بفك أسر أحد أصدقائه من السجن. كل هذا يبدو عاديا، لكن الغريب حدث حين تم تحرير الرهائن، فقد حاولوا إسقاط التهم عن الخاطفين رافضين الإدلاء بشهادات ضدهم في المحكمة. أمّا الأكثر غرابة فهو محاولة المحتجزين المساعدة في توكيل محامٍ للدفاع عن المعتدين بل ودفع ثمن أتعابه أيضا.
الجدير بالذكر، أن هذه القصة التي كانت سببا في إطلاق التسمية على المتلازمة، لم تكن الوحيدة التي أثارت اللّغط. ففي عام 1974 اختطفت باتي هيرست، ابنة أحد الأثرياء الكاليفورنين من قبل مجموعة مسلحة. ليتطور الأمر فيما بعد وتشاركهم عمليات السطو والخطف ويقبض عليها لاحقًا. بينما الحادثة الأحدث فكانت لإليزابيت سمارت التي اختطفت سنة 2002 وهي في عمر الرابعة عشر، وبعد تسعة أشهر من الإختطاف تعرضت فيهما لشتى أنواع التعذيب، استطاعت الشرطة تحريرها. ولكن الدهشة كانت، حين أصيبت بالبكاء والحزن الشديد حين علمت بسجن آسريها.
أسباب متلازمة ستوكهولهم
الحوادث المتتكررة الآنفة الذكر، كانت سببا في عدة دراسات حاولت تفسير العاطفة الناشئة تجاه الخاطفين، فيما استعانت الشرطة بـ نيلس بيجرو العالم النفسي والباحث في علم الجريمة. والذي عرّفها وحاول إيجاد تفسير لفكرة التلاعب بالعواطف وغسل أدمغة الضحايا.
عمومًا، لا توجد أبحاث كافية لتكتشف أسباب متلازمة ستوكهولم، مما يجعلها غامضة بعض الشيء، إلاّ أنّ علماء النفس أكدوا أن هذه الآلية تنشأ كرد فعل للتكيف من أجل البقاء، بحيث يخلق الضحية هذه الرابطة كطريقة للتعامل مع الموقف المتطرف الذي يعيشه. كما لا ننفي تواجد بعض العناصر التي قد تزيد من احتمالية نشوء هذه العاطفة، ومن أهمها:
- الشحن العاطفي الذي قد يعيشه الرهينة.
- المساحة الصغيرة والمتقاربة الذي يعيشها الرهائن مع المختطفين، خصوصًا مع احتمال أنهم يعايشون الوضع السيئ نفسه مثل عدم وجود طعام أو التشارك فيما بينهم في بيئة غير آمنة ومستقرة.
- عندما تكون عمليات الحجز نابعة من متطلبات قد يتعاطف معها المحتجزين ويبدون رد فعل إيجابي نحوها.
- انعدام الأمل بوجود وسائل للفرار أو النجاة.
- وجود ضغط عصبي مستمر، أو حتى وجود اضطراب نفسي سابق لدى الضحية.
ما تأثير متلازمة Stockholm على الصحة؟
حتى الآن، لا يوجد اتفاق رسمي على إدارج المتلازمة كتشخيص رسمي للصحة العقلية أو كاضطراب عقلي. فهي لا تعدو أن تكون استجابة عاطفية سلبية، ومع هذا فإن للمتلازمة بعض الأعراض التي قد تكون ذات أثر سيئ على النفس لأولئك الذين يعانون منها، وإليك أهمها:
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- إنسحاب اجتماعي مضطرب وعزلة شديدة.
- انهيار الثقة بالنفس وبالتالي الثقة بالآخرين.
- الإحساس بالذنب وتأنيب الضمير.
- المعاناة من الكوابيس والأرق والذهان.
- صعوبة العودة إلى ممارسة الحياة بشكل طبيعي.
هل يقتصر اختبار المتلازمة على المختطفين فقط؟
لا، ليس الرهائن وحدهم هم المتأثرين بمتلازمة ستوكهولم فهي تتبدل تبعًا لأسباب الحدوث. فمن الممكن أن تشاهد في عدة حالات، أهمها:
- الإساءة للأطفال: قد يبدي المختطفون بعض الود تجاه الأطفال على الرغم من إيذاءهم وتعنيفهم. وهذا ما يؤدي إلى نشوء رابطة عاطفية بين المعتدي والطفل.
- في الرياضة: قد يصاب الأطفال الذين يمتلكون مدربون رياضيون سيئون بمتلازمة ستوكهولم، حيث يبدأون فيما بعد بتبرير سلوكهم والمدافعة عنه.
- تجارة الجنس، أظهرت الدراسات، أن البعض ممن يجبرون على ممارسة الجنس والإتجار به، يطورون علاقة عاطفية مع مستغليهم وذلك كوسيلة للمحافظة على البقاء.
- في بعض علاقات الحب والزواج، حيث نجد عواطف سلبية غير متكافئة وليست مبررة تنشأ بين الطرفين.
أسئلة شائعة عن متلازمة Stockholm
قد تراودك بعض الأسئلة عن متلازمة ستوكهولم وأسباب حدوثها، وإليك مجموعة من أبرز الأسئلة وأجوبتها:
س: هل هناك علاج لمتلازمة ستوكهولم؟
كما أشرنا سابقا، لا تعتبر ههذ المتلازمة مرضا نفسيا يستوجب العلاج، لكن على الأغلب قد يحتاج ضحاياها مشورة نفسية، ودعم اجتماعي من المقربين والأصدقاء. أيضا، يمكن تعلم بعض التقنيات التي تساعد على الاسترخاء وتعزيز الثقة بالنفس. وتغيير المشاعر السلبية تجاه الذات.
س: هل تعتبر هذه المتلازمة شائعة الحدوث
أشارت إحصاءات المكتب الفدرالي FBI، أن نسبة من ظهرت أعراض متلازمة ستوكهولم عليه من الرهائن لم تتجاوز 27%. هذا يعني أنها قليلة الشيوع على اعتبار أن بعض الأعراض قد لاتكون مؤشر حقيقي عن المتلازمة، بحيث يمكن أن تختلط الأمور من جهة تفسير الأحاسيس والمشاعر التي ترافق هكذا عمليات.
س: هل يوجد أعمال سينمائية أو تلفزيونية أشارت للمتلازمة
نعم، هناك قصص وأفلام عالجت المشاعر المضطربة التي ظهرت في العلاقة بين الجلاد والضحية، أحدها فيلم أنتج عام 2018 باسم Stockholm. وهو يتناول قصة السطو التي حدثت في بنك (كريديت بانكين). أما بالنسبة للروايات والأعمال الأدبية، فقد دارت أحداث رواية (إمضاء ميت) للكاتب محمد رجب حول نفس القضية. من ناحية أخرى، ألم تقع الجميلة في حب آسرها في حكاية “الجميلة والوحش” وآثرت البقاء معه عن الهروب منه؟. هذا يعني أن أثر متلازمة ستوكهولم يظهر جليّا في بعض علاقات الحب أيضًا.
في الختام، لا يمكننا أن نجزم برأي بيِّن حول أسباب حدوث متلازمة ستوكوهولم، فضلًا على أننا قد لا نملك تفسيرًا واضحًا للرابطة التي تنشأ بين جلاّد وضحية. بحيث تبقى المشاعر المتناقضة أكثر لغزًا وغموضا مما يمكن تفسيره أو تأويله.