نسعى لنترك أثراً ملهماً حول العالم

الشعر الملحمي

0 391

الشعر الملحمي؛ مصطلحٌ مرّ معي خلال قراءتي للإلياذة والأوديسة، وتركني بإبهامٍ غريب. فالصدق يقال هذه المرة الأولى التي أقرأ فيها عن هكذا نوع. وعندها شددت حزام البحث وعقدت العزم على طرق مجلدات الكتب وأمهاتهم علّني أتعرف الملاحم وشعرهم.

على الرغم من ذلك الوضوح الأولي في المسمى، إلا أن كثيرًا من إشارات الاستفهام تدور حول خصائصه وأصله وسبب شيوعه كنوعٍ من أنواع الشعر بلا أي خلاف.

وفي مقالنا اليوم مع الملهمون سنتعرفه ونعي ما هو.

 

أولاً: ما هو الشعر الملحمي:

 

الشعر الملحمي أو القصيدة الملحمية حيث أنهم وجهان لعملة واحدة.

فهو القصة الطويلة والمثيرة والشاعرية عن.حدثٍ أسطوري، وبالغالب يتحدث عن بطلٍ أو أبطالٍ عدة. وذلك قبل تطور الكتابة.

وكان حفظها يتم شفهياً؛ ولذلك لها دور مهم في حفظ الأعمال والتاريخ الثقافي العظيم.

أما في وقت لاحق فتمّ تدوينها، وما يميز الشعر الملحمي ان البطل يمثل قيم ثقافية أو شعبه، وهو شيء حيوي اعتماده الأول على نجاح ذلك البطل.

وفي بعض الأحيان تشمل العالم كاملاً وتقحم كائنات خارقة للطبيعة.

فعلى سبيل المثال: جلجامش ذلك البطل الذي يحمل. جسد بنصف إله ونصف بشر، والأوديسة وبيولف.

 

الشعر الملحمي
الشعر الملحمي

ثانياً: عناصر الشعر الملحمي:

 

بعد التعريف بشكلٍ عام عن الشعر الملحمي لا بُدّ من أن نتعرف أهم العناصر التي يجب وجودها ضمن العمل، لكي تصنف عملاً ملحمي. علاوة على ذلك يجب ذكر أن هذه الملاحم وصلت إلينا عن طريق المشافهة.

أما الآن سننتقل للعناصر:

 

  • الحدث: ومن شروطه أن يكون حدثاً كبيراً يخص ويتناول الأمة كلها. حيث يؤثر عليها. وفي أغلب الأحيان تمون حربا أو ثورة تشترك فيها أبناء الأمة جميعها. لذلك غلبة على الملاحم الأحداث التاريخية.
  • الأبطال: ويكونون في كامل قوتهم وحولهم هالة من القداسة، حيث أنهم يمتلكون صفات لا يمتلكها الفرد العادي. وتتجمع فيهم أيضا صفات الفروسية والمثل العليا. فهم يقومون بفعل تفتخر به الأمة.
  • الشيء الخارق العجيب: وفي هذا العنصر تظهر عظمة البطل، حيث تلمح الاختلاف والفرق من شخص لآخر في هذا العنصر. فإما أن يكون خارق جسدياً وإما يملك ذكاء خاصا فمن خلاله يكون بطلاً يستطيع به أن يخوض المعارك والحروب ويأتي بالمعجزات.
  • الفكرة: وموقعها يأتي في مضمون الحدث، حيث يحمل قصد الناظم مع الإشارة إلى أن الفكرة تطور بتطور الملاحم. فالبداية تكون شيئاً عديم الهدف لكن من بعد ذلك تطور لتصبح ذات طابع فلسفي.
  • العقدة: بعبارة اخرى الحبكة، فهي نقطة التأزم في الملحمة، ومن ثم تنحدر للانتهاء تدريجياً حيث تعتبر ذروة الملحمة.
  • الخرافة والأسطورة: حيث نرى مزجاً بين الحقيقة والوهم، فيرتفع البطل لدرجة أن يلاقي الآلهة ويكلمها. وهنا تكمن إرضاء للعقلية البسيطة ولاسيما الشعوب الفطرية.
الشعر الملحمي
الشعر الملحمي

ثالثاً: خصائص الملاحم:

ومن أهم خصائص الشعر الملحمي، سنعرضه الآن:

‏تجلي طابع البطولة

حيث يظهر الشكل البطولي بكونه قيمة عالية في التراث الشعبي، ويعود ذلك من القيمة الإنسانية، التي كانت هدفاً تبرزه الملاحم في الشعر الملحمي. والجدير بالذكر أنه لا يمكنني التخلي عن الشخصية البطولية في الملاحم فهي ركن أساسي لها. ويعود السبب في ذلك؛ إلى طبيعة الحضارات القديمة، التي كانت تتاسس شعوريًا ولا شعوريًا على القيمة الجماعية. كما أن هناك دافعًا لتمجيد البطولات سببه الشرّ والكره والأفعال المنافية للاخلاق، الذي لم يعرف الإنسان قديمًا سببهم فكان يترقبهم، إضافةً إلى التباهي بجرأة الأبطال، ولا خلاص للجماعة إلا بجدارتهم.

‏تطبعها بالطابع القصصي

فالقصة هي محور الشعر الملحمي، فلا مفر من أن تدور أحداثه حول حقبة معينة، بالإضافة لسرد القصص الواقعة فيها ولا نغفل عن جواز تعدغد القصص في الملحمة الواحدة. ومثال ذلك: ملحمة الإلياذة، فهي منظومة شعرية، كتبت على البحر السداسي. وهو من البحور التي شيع استعمالها في الملاحم منذ القدم، وبلغ عدد أبياتها خمسة عشر ألف وخمسمائة بيت، موزون.

سعة مواضيعها

موضوعاتها المتنوعة وتشعبها، فإن الوقائع الحقيقية تختلط بالأساطير الحقيقية. وذلك نظرًا لصعوبة الفصل بين الحقيقة والأسطورة، فهذا يجعل تصعيد الأحداث والمبالغة فيها أساسًا للشعر الملحمي. حيث نرى هذا بارزاً في الملاحم الشعرية الدينية، التي اختصت بالإشاراة إلى الطقوس المتبعة في تعظيم الآلهة. هذا بالإضافة إلى الوظيفة الفلسفية في تفسير الأحداث، ومن أهم الأمثلة على الملاحم الشعرية، التي تتميز بتشعب الموضوعات. ملحمة جلجامش لكنها ملحمة شعرية، غير موزونة.

سيادة الموضوعية واللاشخصية

‏تعتبر الموضوعية الركيزة الأساسية للملاحم، والمقصود بالموضوعية هنا إلغاء ذات الكاتب. إذ إن هوميروس لم يدخل ذاتيته في الإلياذة إنما ترك الحديث للشخصيات، التي تتحدث بالوقائع، من خلال أفعالها الحرة وتصرفاتها. لكن يوجد هناك بعض الملاحم التي تعد استثناءً؛ إذ أن كتابها أدخلوا انفسهم في الملاحم،. وأضفوا من شخصيتهم على الأحداث، إلا أن هذا الأمر نادر الحدوث، ومن أهم القصائد الملحمية، التي تميزت بالطابع الموضوعي: قصيدة الإلياذة لهوميروس، التي يقول فيها: “أفلّون هاتيك العزائم مانحُ وهكطور للإبلاءِ والحرب جانحُ كمهرٍ عتيٍّ فاض مطعمهُ على مرابطهِ يبتتُّها وهو جامحُ ويضرب في قلب المفاوز طافحًا إلى حيث وجه الأرض بالسيل طافحُ يروّض فيه إِثْرَ ما اعتادَ نفسهُ ويطربُ أن تبدو لديه الضحاضحُ وَيشمخُ مختالًا بشائق حسنه يطير وأعراف النواصي سوابحُ وتجري به من نفسها خُطَواتُه إلى حيث غصَّت بالحجور المسارحُ”.

‏‏تميزها بطولها وعدد كلماتها

حيث تعد الأشعار الملحمية من أطول الأشعار، فهي تتميز بعدد كلماتها الكثير وعدد أبياتها الكبير، ‏ومن أهم الأمثلة على الأشعار الملحمية: أشعار اليونان، وكذلك فإن كثيراً من الشعر الملحمي الإغريقي لم يصل لنا؛ لأنها فقدت وما وصل لنا يُقدّر بالعشر من أصل الأدب الملحمي الإغريقي كله. ويرجع السبب وراء ذلك؛ إلى أن الأدب الإغريقي كان أدبًا شفهيا ولم يتم كتابته إلا بعد مدة طويلة؛ فقد كتبه الأدباء ودوّنوه في أواخر العصر الإغريقي.

‏فخامة الأسلوب

حيث أن الملاحم الشعرية القديمة نُظمت بلغة رصينة ورفيعة، وتميزت بأسلوبها السامي، الذي لا يحتله الضعف، ومن أهم الأمثلة على الملاحم الشعرية القديمة، التي تميّزت بفخامة الأسلوب ملحمة جلجامش. فهي عبارة عن مجموعة ضخمة من الأسفار المتواصلة، التي تبحث عن أغلى شيء في الوجود؛ فالطابع الجمالي في الملحمة، يبرز مدى الجهد المبذول فيها، إلى جانب موضوعها، الذي ساهم في زيادة فخامتها؛ فهي تدور حول بحث الإنسان عن الحقيقة، وتتميز بطول عدد كلماتها، وساهم أسلوب كتابتها الفخم؛ في زيادة اهتمام الباحثين بها، فهي لا تزال حتى اليوم موضع اهتمامهم

 

وفي الختام نرى كيف كانت قيمة الشعر الملحمي تعلو بزخرفته ودقة لغته، وكيف أضاف متعة للأدب مع أنه كان كثير الدخول في الأسطورة والمواضيع الفلسفية.

 

تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما.
تابع ملهمون لعلك تكون ملهماً يوماً ما.
اترك رداً

لن يتم عرض بريدك الالكتروني.

تم إضافة تعليقك بنجاح

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء ملفات الكوكيز في أي وقت إذا كنت ترغب في ذلك. موافققراءة المزيد